كان الوقتُ عصراً حين انتهى اعضاء فريق المشي من تناول طعام الغدا في مخيمهم الذي اقاموه عند منابع المياه الدافئة في وادي سردد .وكان من عادتهم ان يأخذوا قيلولةً بعد الغدا. اما انا الذي لم اتعوّد على النوم نهارا . فكانت قيلولتي بين الماء . اخترتُ مغطساً من مغاطس العيون الدافئة. وبقيتُ فيه لمدة ربع ساعة ثم خرجتُ ومضيتُ صاعداًفي الوادي ،وفي الجانب الخالي من صوت خرير الماء ،وصوت الحياة. وكان ان رحت امشي في الوادي واناشبه عريان لاارتدي سوى خرقتين مبتلّتين بالماء نشرتهما فوق جسدي الذي تحوّل الى حبل غسيل . ولاكثر من ساعة بقيت امشي في وادٍلاحياة فيه. وباستثناءصوت خطواتي وصوت تنفسي لم اسمع صوت كائن حي يزحفُ، او يسيرُ، او يطيرُ ،او يتنفسْ. وحده الصمتُ كان يحيط بي في ذلك الوادي الذي بدالي وانا امشي فيه كمالواني امشي وسط جبلٍ إنفلقَ وانشقّ بنفس الطريقةِ التي انفلق وانشق بها البحر امام نبي الله موسى. ولشدة خوفي من مخالب وحش الصمت فكرتُ بالعودة وقلتُ ارجع الى المخيم لكن نفسي الأمّارةُ بالجمالِ امرتني ان اواصل السير بحثا عن منظرٍجميلٍ، اوعن كائنٍ حي حتى ولو شجرةٍ، او عُشبةٍ في ذلك الوادي الموحش، والمستشرس، الخالي من الجمال ومن الحياة . عندما وصلتُ الى منعطف الوادي وجدتُ صخرةً عظيمةً بيضاءَ وملساءَ كأنها من صخور كوكبٍ غير كوكب لارض. كانت تلك الصخرة التي انتصبت امامي وسدّت طريقي هي اجمل منظرٍ رايته في الوادي . تسلقتُ الصخرةَ ورايتُ وانا واقفٌ فوقهاامراةً تسيرُ في الوادي وتتقدّم نحوي وبقيتُ انتظر. كانت فارعة الطول، ممتلئةً، تحمل صرةً كبيرةً فوق راسها.. وكان عليها حتى تصل الى الجانب الآخر من الوادي ان تتسلّق الصخرة .. لكنها وهي تقتربُ من الصخرة توقفت شبه محتارة وراحت تتفرّجُ عليها، وتقيسُ ارتفاعها بعينيها. وقد بدا لها تسلق الصخرة مع وجود صُرّةٍ كبيرةٍ على رأسها، اوحتى بدونها مسئلة صعبة ،وضربٌ من ضروب العبث، وشيئٌ اقربُ الى المستحيل. لكن القدرة الالهية كانت قد وضعتني في طريقها اوربما وضعتها في طريقي لحكمةٍ لااعرفها لكني استطيعُ القول ومن خلال تجاربي بأن القدرة الالهية او الصدفة - سمِّها ماشئت - حين تضع امراةً في طريقك انما تضعها لتنقلك من المعلوم الى المجهول، ومن الظلمات الى النور. ذلك لان المرأة مصدر من مصادر المعرفة، ونبع من ينابيع الجمال. وعادة كلما التقيتُ امرأةً صُدفةً وتعرفتُ عليها اشعر بأني تقدمتُ خطواتٍ الى الأمام . كانت المرأة وهي تمشي كأنها تغني، او كأنها تعزفُ لحن حريتها .وكانت خطواتها وهي تقتربُ من الصخرة تصل بقوة الى مسا معي وكأنها نشيد الحرية. مددتُ يدي اليها وناولتني صُرّتها وقد بدت لي الصُرّةُثقيلة لكأنها تخفي فيها سراًثقيلاً من اسرار حياتها. وبعد ان حملتُ صُرّتها الى ماوراء الصخرة عدتُ ثانيةً وتسلقتُ الصخرة ومددتُ يدي للمراة ،ومدت لي يدها ..وفيما رحتُ اساعدها في تسلق الصخرة وفي الانتقال الى الجانب الآخر من الوادي.. اتسعت حدقتا عيني من الدهشة، وامتلأ راسي بالاسئلة : - من تكون هذه المرأة؟ ماقصتها؟ من اين اقبلت ؟والى اين هي ذاهبة؟ لماذا لم تغطِّ وجهها حين ابصرتني؟ وماذا لوابصرها احدهم وهي معي؟ كانت المرأة شابة ..عمرها لايتجاوز الثلاثين عاما.. وكانت جميلة في غاية الجمال. لها جسدٌ منحوتٌ بلون البرونز ،ونهدان متوتِّران لكأنهما ضاقا بقفص صدرها، وضاقا بالبقاء في الأسر. كانت "مخزَّنة" وخدها المتكوِّر والمحشو بالقات قد اضفى جمالاعلى جمالها. لكن اكثر ماادهشني حين رايتها هو انها كانت سافرة، تمشي في الوادي وهي بكامل زينتها، وبكامل أنوثتها، وبكامل جرأتها. كانت اول كلمة قالتها لي بعد ان ساعدتها في تجاوز الصخرة والعبور الى الجانب الآخر من الوادي : -"خزّن " قالت ذلك واخرجت من جيب صدرها "علّاقِي" من القات "القَطَل "وكان قاتها من النوع الممتاز يوحي بأنها مولعية تحب القات، وتستمتعُ به .وقد لاحظتُ من حديثها معي ومن تعابير وجهها بأنها كانت مكيِّفة وفي ذروة نشوتها. بعد ان ساعدتها في العبور الى الجانب الآخر من الوادي توقعتُ ان تتركني وتمضي لوحدها. وساورني شعور بأنها سوف تخجل مني انا الغريب وتغطي وجهها لكنها لم تفعل ولم تخجل والعكس هو ماحدث كنت انا الخجلان لاني اسير الى جانبها وانا شبه عريان. وفي طريقنا راحت تسالني اسئلة كثيرة وانا اجيبُ عليها ومن بعد رحتُ انا القي عليها بالأسئلة وهي تجيب. قلت لها : فين رايحة في هذا الوقت ؟ ومن اين جئت ؟ قالت بأنها اقبلت من قرية زوجها وذاهبة الى قرية اهلها وحين سألتها عن السبب !! كان جوابها بأن زوجها طلقها قالت ذلك من دون ان يظهر عليها انها غاضبة ،اوزعلانة، اومكترثة لماحدث لها. قلت لها : كيف يسخى يطلقك وانت بهذا الجمال !! وكنتُ صادقاً في كلامي عن جمالها ..ولم اقل ذلك مجاملة لها.. فقد كان جمالها من فصيلة نادرة ..ومن الصنف النادر الذي لايمكن العثور عليه بسهولة . ويبدو انها اول مرة تسمع شخصا يقول عنها بأنها جميلة.. فقد بدت مستغربة من كلامي ، وظنت كما بدا لي من تعابير وجهها بأني شخص غير طبيعي.. لكن لأنني لأاعرفها !!ولاعرف من هي!! ومن تكون !!فقد عذرتني ..وعندماراتني اكرر كلامي عن جمالها راحت تنكر بأنها جميلة كمالوان الجمال تهمة. ثم تبين لها بأني غبي احكمُ على الظاهر ..حكمتُ عليها بأنهاجميلة من مظهرها وبعد ان كشفت لي عن وجهها .لذلك كان لابد لها حتى تقنعني بأنني قد اخطأتُ في الحكم ان تكشف لي سرها. وكان ذلك صعباً عليها، ومحرجاً لها .كانت وهي تمشي معي اشبه بأولئك الذين لديهم عاهة يخجلون من إظهارها، او سراً لايرغبون في البوح به، اواقترفوا جريمة ولايريدون ان يعرف احدٌبها لكن المحققين و الجلادين في جلسات التحقيق يضطرونهم الى الاعتراف بكل شيئ. بعاهاتهم، واسرارهم، وجرائمهم. وهذا ماحدث بعد ان رحت احقق معها واتقمص دور المحقق ودور الجلاد. اعترفت المرأة امامي وقالت بمامعناه ان العبيد ليسوا جميلين وانه ليس من اللائق ان اقول عن عبد بأنه جميل !! كانت تظن بأنني فهمت سرها لكني في الحقيقة لم افهم ماالذي تقصده بقولها : -" ان العبيد ليسوا جميلين" وعندما قلت لها بأني اتكلم عنها وليس عن العبيد !! قالت وهي محرجة مني وخجلانة ومستحية : - "أني عبدة " لحظتها وقد اعترفت امامي بأنها عبدة دارت الدنيا في رأسي.. وبدوتُ خجِلاً من نفسي مثلي مثل اي جلاد يخجل من نفسه عندما يصحو ضميره للحظة بعد مغادرته غرفة التحقيق، وغرفة التعذيب،وبعد ان يكون قد جرد المتهم من كل اسلحته وعرّاه من الخارج والداخل . بعد ان اعترفت لي بأنها عبدة شعرتُ من نظراتها ،ومن كمية الخجل والخزي في صفحة وجهها كما لو انها تعرّت امامي، اوكما لواني نزعت عنها ورقة التوت. قلتُ لها وانا مازلت اجلدها بسوط الجمال : - لكنك جميلة حتى لو انت عبدة!! قالت بمامعناه ان المراة الحرة هي الجميلة ..ولوانها حرة مثل نساء القبائل لكانت جميلة، ولكانت حياتها اجمل . وعندئذ عرفتُ السبب الذي جعلها تنزعجُ وتخجلُ وتشعر بالإحراج وبالخزي عندما قلت عنهابأنها جميلة . لقد كانت تشعرُ في قرارة نفسها بأني أسخرُ منها.. اوباني ادينها، والفّقُ لها تهمةًعن جهلٍ وغباء ذلك لأن الجمال كما تفهمهُ وتحسُّ به هذه المرأة العبدة هو الحرية. قالت لي ونحن نعبر الوادي بانها لوكانت حرة لكان عليها ان تتصرّف، وتسلك ،وتفعل ماتفعله النساء اللاتي يمتلكن حريتهن .وقالت بأن المرأة الحرة لايسمح لها زوجها، ولااهلها ان تكشف عن وجهها امام الرجال ،وان تظهر امامهم وهي بكامل زينتها ،او ان تتكلم معهم. وانما عليها ان تتحجب، وتتلثم، وتغطّي وجهها اذا ابصرتهم، وتهرب منهم إن هم ابصروها ،وتتجنّبهم فلاترد السلام عليهم إن هم سلمواعليها، وبادروها بالسلام. ولاتكلمهم، إن هم كلموها، وبادروها بالكلام . قلت لها : لو واحد من اهلك شافك تمشي معي وتكلمينا ايش بايفعل بي ؟ قالت - وهي تضحك - بانه لن يفعل شيئا ولن يقدر . قلت : ليش مايقدرش ؟ قالت -وقد تضايقت من غبائي -: -يوووووه قلت لك اني عبدة مش اني قبيلية لواني قبيلية ماكنت خليتك تلمسني !! لكن لواني قبيلية وابصرك واحد من اهلي وانت تلمسني والاابصرني واني معك كان يقتلك ويقتلني. ثم سالتني وقالت لي : - ذلحين انت مش عيب عليك تمشي معي واني عبده !! قلت : من قال لك انه عيب !! قالت بان القبائل لوابصروني وانا امشي معها سوف يعيِّروني وينتقصوا من قدري قلت : للمه !! قالت : مايمشي مع العبدة إلا عبد مثلها !! قالت ذلك وهي تضحك وتنتظر رداًمني.. وكان ردي هو اني سالتُ عن اسمها!! لكنها رفضت ان تقول لي اسمها الابعد ان اقول لها اسمي . وسالتها لماذا تريد مني ان اقول لها اسمي قبل ان تقول لي اسمها مع انني سبقتها بالسؤال!! قالت بأنني رجلٌ وحُر ولايحق لها وهي المرأة العبدة ان تسبقني في ذكر اسمها . قلت : اسمي كيمو قالت : إسمي غرام وكانت غرام منتشية بالقات وكنتُ انا قدرحتُ اخزّن معها واشاركها العلاقي القطل بعد ان اغراني قاتها لكني لم اكن قد بلغتُ بعد النشوة التي بلغتها . قلت : ياسلام اسمك جميل !! قالت بأنه لايصح ان اقول عن اسمها بأنه جميل لأنه إسم عبدة كانت ماتزال عندموقفها من ان الجمال هو الحرية . قلت لها بأنها اكثر حرية من نساء القبائل، ومن نساء صنعاء، وعدن، وغيرهن من نساء المدن لكن كلامي هذا اكد لها بأني جاهل اجهل ماذا تعني العبودية!! واجهل ماذا يعني ان يكون الإنسان عبدا !! وحتى اخفّف من شدة إحساسها بالخجل من كونها عبدة قلت لها بأن هناك في اليمن عبيدا تنازلوا طواعية وبإرادتهم عن حريتهم لاحزابهم، ولقادتهم، وقياداتهم ، وهم اكثر عبودية منك لكنهم لايخجلون من عبوديتهم مثلك. وبعد ان تعبتُ في توصيل الفكرة اليها استغربت وقالت : - مابش حر يقبل يكون عبد كانت غرام شديدة الحساسية من كونها عبدة، وشديدة الخجل، وقدشعرتُ من كلامها كأن العبودية صخرة عظيمة تجثم فوقها وتحس بثقلها وبانسحاقها تحتها. وحين طلبتُ منها ان اساعدها في حمل الصرة قالت : يووووووه انت باين عليك مجنون قلت لك أني عبدة !! قلت لها : ولو انت عبدة اساعدك قالت : انت باين عليك ماتخزاش واوضحت لي بأنه من العيب وانا رجلٌ وحُر ان اذلّ واهين نفسي واحمل صرة امرأة عبدة . قلت : هل يعرف النا س حين يرونك في الطريق بأنك عبدة ؟ قالت بأنهم يعرفون العبدة من وجهها وكان وجهها في غاية الجمال وغصباً عنها مددتُ يدي الى الصرة وانتزعتها ووضعتها فوق رأسي وهي تتوسل اليّ ان أعيدها اليها وحجتها اني رجل حر وهي عبدة . قلت لها -وانا اتشبث بالصرة - : - انت عبدة ياغرام وانا العبد حقك وضحكت غرام وكادت تشترغ بالقات من قوة ضحكتها . وشعرتْ غرام وانا امشي بجوارها حاملاصرتها كما لو اني احمل عنها صخرة العبودية . وكنتُ وانا امشي في الوادي حاملا الصرة فوق راسي اشعر بزهو العبد وهو يسير بجوار سيدته. ولربما شعرتْ غرام بزهو السيدة وهي تمشي بجوار عبدها كيمو.