حول دعوات المصالحة مع الحوثيين

منذر فؤاد
الاثنين ، ١٨ يناير ٢٠٢١ الساعة ٠١:٥٠ صباحاً
مشاركة

استغل بعض قصار النظر، المصالحة الخليجية، للحديث عن مصالحة مماثلة مع عصابة الحوثي، واستحضروا مفردات الانتماء الجغرافي والوطني للإشارة إلى أن المصالحة بين أبناء البلد الواحد أولى من المصالحة بين أبناء البلدان المختلفة.

إن طرحا كهذا، يتجاهل حقيقة أن الخلاف الخليجي كان بين الأنظمة السياسية لا بين الشعوب نفسها، ولم يصل هذا الخلاف إلى مرحلة سفك الدماء وانتهاك الحرمات وتدمير المنازل وتشريد ساكنيها في مخيمات الشتات والمباني الغير صالحة للسكن، ثم ما قيمة الانتماء الوطني والجغرافي لبلد واحد إذا كان سيشكل سياج حماية للمجرمين، وقبرا تدفن فيه الحقوق؟

كما أن هذا الطرح، يتجاهل أن الحرب في اليمن أساسا، فرضها الحوثيون على أغلبية الشعب، عندما شرعوا في عدوانهم الظالم، واستباحوا الحرمات وأوغلوا في سفك دماء مخالفيهم، وفرضوا عقائدهم الباطلة بعد تدمير وتدنيس المساجد ودور القرآن، مع عدم نسيان الدور الخليجي القذر بالطبع في تسهيل العدوان الحوثي ابتداء، والتساهل معه فيما بعد.

لم تكد حماسة قصار النظر المشتعلة للتصالح مع العصابة الحوثية، حتى أثبت الحوثيون بأنفسهم عدم جدوى دعاوى المصالحة التي رُوِّج لها، فاقتحموا حيمة تعز، وحوّلوها إلى مسرح مفتوح لممارسة جرائم الإبادة والإذلال، والمصادرة للأرواح والممتلكات، وهذه المجازر أدلة تضاف إلى ما سبقها، مما يثبت استحالة التعايش مع عصابة تتحرك وفق فكر عنصري، وعقيدة استعلائية باطلة، تبيح لها استعباد الآخرين، وإخضاعهم بكل الأساليب.

إن الحديث عن المصالحة مع الحوثيين، يشبه الحديث عن مصالحة ذوي الضحية مع قاتل قريبهم دون أن يدفع الدية ويبدي ندمه، ومصالحة من سُرق منزله مع اللص دون أن يعيد المسروقات ويعتذر، ومصالحة من هُدم بيته مع من هَدمه، دون أن يعيد البناء ويعوّض الأضرار، وإذا أضفنا إلى ذلك تنصل الحوثيين من عشرات الاتفاقيات التي كانوا طرفا فيها، سيتكشف لنا مدى قصر النظر الذي يعاني منه دعاة المصالحة.

دعاة المصالحة، ينظرون للحرب على أنها خلاف سياسي بين الحوثيين والحكومة، وبتصالح الجانبين ستنتهي الحرب، لكنهم يتجنبون الحديث عن الأساس الذي ستبنى عليه المصالحة، وعن مصير جرائم الحوثيين وما إذا كانت ستطوى كما طويت جرائم صالح، وعن عقيدة الحوثيين التي ترى أحقيتها بالحكم دونا عن أغلبية الشعب، لانتمائها لسلالة معينة، وبالتالي يمكن القول أن هذه الدعوات لا تعدو عن كونها دعوات حالمة تنظر من زاوية عاطفية.

وباعتقادي، حتى لو حدث اتفاق سلام بين الحكومة والحوثيين، فلن يكون سوى اتفاق تمكين لعصابة، اتخذت من اتفاقيات السياسة، مطية للوصول إلى مرادها، بأيسر الطرق التي لا تكلفها أي خسارة سوى حبر التوقيع.

إن الطريق الوحيد للتعامل مع الحوثيين، هو الطريق الذي تنتهجه الدول مع عصابات قطاع الطرق الذين يعيثون فسادا وخرابا، مع مراعاة أن قطاع الطرق يتحركون وفق نوازع مادية يسهل ترويضها، لا عقيدية كما الحال مع الحوثيين يصعب كبحها والتعاطي معها.