أول وكالة تجارية حصلتُ عليها كانت عام 1994 وعمري حينها عشرين عاماً، وكان المركز الرئيسي في مدينة الحديدة بجوار عمارة كمران الشهيرة بشارع زايد، بالقرب من محطة العمري التي كان يستأجرها الحاج صالح العيسي، والد رجل الأعمال احمد العيسي الذي كان يداوم فيها دواماً صامتاً كأنه أعجم، وكنا نمزح انا وشقيقه محفوظ، حيث كنت اسأله ليش يجي طالما وهو لايعمل اي شيء، فيقول هذا السكوتي خاف منه، وفعلاً بعدها بسنوات قليلة بدأت أسمع عنه كامبراطور النفط ورئيسا لاتحاد كرة القدم.. ???? أواخر العام 1997 حصلت مشاكل مالية كبيرة لي بسبب مكتب التخليص الجمركي الخاص بي وحصلت تحديات غبية بيني وبين بعض التجار الذين كانوا يعملون في ذات المجال وبحكم السن الصغير والخبرة المحدودة باليمن آنذاك كنت أظن اني قادر على مواجهتهم لكنهم تغلبوا عليّ واستفردوا بي في ميناء الحديدة ومعهم مرافقين مسلحين وضربوني ضرباً مبرحا وانا لحالي، وكبر الموضوع وجاء المحافظ محمد حاتم الخاوي إلى مكتبي للاصلاح بيننا وطلب التحكيم وحل الإشكال فرفضت واضفت غريم قوي إلى صفهم ثأراً لكرامته التي اعتبر انني اهنته ولم أنزل عند طلبه وهو المحافظ.. وبعد سنة كاملة من التقاضي في المحاكم والنيابات، والمشاكل المستمرة واقسام الشرطة وتوقف أعمالي في التخليص والوكالة؛ خسرت ملايين الريالات، وخرجتُ من الحديدة منهك القوى خالي الوفاض، أجرُّ اذيال الهزيمة المالية والمعنوية وكسرة النفس التي كادت تقضي عليّ.. ???? عدتُ إلى سندي وملاذي وملجأي بعد الله جل وعلا، إلى والدتي التي كانت جنتي وعمودي الذي أتكئ عليه في كربتي رحمها الله، كنت شبه مكتئب ولم أخبرها بأني بعت ماتبقى لي وهربتُ بعقلي، لكنها أحست بذلك قبل ان أصلها، وبعد اسبوعين من الجلسة في القرية فاجأتني بمليون ريال وصندوق صغير فيه ذهب، وقالت هذا ماكنت اخبئه للزمن، إنس الحديدة، وابدأ حياتك في صنعاء وانت قادر.. أعطتني دفعة حماس معنوية جبارة ونفخت فيّ الروح بكلامها الكثير عن الناس الذين افلسوا ثم بنوا انفسهم من جديد، وان الضربة التي لاتقتلك تقويك.. ???? فكرتُ في البدء من جديد بمشروع تجاري غير تقليدي، وأخذتُ المبلغ واتجهت إلى جامعة صنعاء وتقدمتُ بفكرة انشاء مشروع النقل الجماعي لطالبات جامعة صنعاء، وبعد جهد جهيد ووساطات كثيرة وافق نائب رئيس الجامعة لشئون الطلاب د. فضل ابو غانم على المشروع، وفعلاً بدأتُ أول سنة بعشر حافلات 24 راكب، كانت لها 10 خطوط سير محددة في العاصمة، تأخذ الطالبات على مدار الساعة من الصباح إلى الساعة الثالثة عصراً ذهاباً وإياباً حسب محاضراتهن، وكانت الطالبات المستفيدات من المشروع متحمسات جداً لتوسيعه وتطويره ومنهن الناشطة المعروفة فاطمة واصل Fatma Wasel ، وكانت فكرة رائعة وخدمة جميلة للطالبات.. ???? اعتبرت السنة الأولى دراسة جدوى ناجحة والحمدلله فتقدمت بطلب 10 حافلات جديدة أخرى عبر بنك التضامن الإسلامي وتمت الموافقة ودفعتُ جزء من المبلغ والضمانات اللازمة، ولكن..!! ???? لكن هذه مؤلمة.. فوجئت وانا داخل الجامعة بداية العام الجديد 2000/1999 بعدد كبير من الباصات الجديدة 16 راكب وعليها شعار النقل الجامعي للطالبات (تغيرت الجماعي إلى الجامعي فقط)، كدت أجن، وذهبت لمكتب الدكتور فضل كي استفسر عن الأمر فإذا به قد وقع عقد جديد مع شركة الرويشان لمنافستي رغم ان عقدي ينص على احتكار المشروع لعشر سنوات، وفوجئت بأنه نفس العقد بنفس الصيغة تم توقيعه مع الرويشان الذي أعلن عن إيصال الطالبات مجانا للشهر الأول كنوع من الترويج لمشروعه وهو قادر على الاستمرار مجانا اكثر من سنة، فدخلت في دوامة شكاوي وتظلمات لرئيس الجامعة والتعليم العالي ورئاسة الوزراء وكتبت في الصحف ورفعت للرئاسة ولمجلس النواب ولبعض الشخصيات الاعتبارية، لكنها كلها باءت بالفشل والضعيف يموت في اليمن دون ان ينقذه احد.. ???? سويت وضعي مع بنك التضامن الذي تعاطف معي وأخذ المبالغ التي خسرها فعليا فقط وكانت كبيرة آنذاك، وأصبت بحالة إحباط كبيرة كادت تقضي علي، وعدتُ إلى والدتي أشكو إليها غابة صنعاء وتوحش الناس واني لااستطيع ان اعيش فيها بعد هذه التجربة المريرة، وفعلاً كانت الظهر الذي لاينحني، والسند الذي لايكذب من يلجأ إليه فنصحتني هذه المرة بالهجرة خارج اليمن كي استعيد توازني.. وفعلاً كانت الوجهة الهجرة الجديدة لأني عدت عام 90 من السعودية التي شهدت نشأتي الأولى ودراستي منذ الاول الابتدائي، وفكرت في دبي.. يتبع