كنت طالبا في ثانوية رديئة بالبلاد، شاهدت في تلفاز وحيد لكل أبناء القرية ما حدث في تونس ويحدث في مصر، ففكرت بجدوى ذلك في بلادنا.
سمعت من خطيب الجمعة السلفي حديثا له حول طاعة ولي الأمر وتحريم الخروج عليه، كان منفعلا للغاية إلى الحد الذي فرض علي المشي لساعة كاملة لأصل إلى الإسفلت الموصل نحو مدينة تعز.
كان في حوزتي مائتا ريال وبرفقتي بضعة شباب يصغرونني في العمر قليلا، كانت رغبتنا في رؤية المدينة أكبر من رغبتنا في الثورة لكوننا سنعود بأخبار مثيرة حول أنواع السيارات والمأكولات والمشروبات التي نراها في الشوارع.
وصلنا إلى مقربة من قلب المدينة، كانت القلوب وصرخات سائقي الباصات كلها تردد "الساحة، الساحة"، جل ما كنت ناقما عليه هو مظهري الرث ومدرستنا البعيدة وحياتنا العارية في تلك القرى، لم أكن متحزبا ولم يرافقنا الرحلة قيادات حزبية نعرفهم في المديرية، كل ما كنت أعرفه أن ثمة واقع لا بد من نسفه بأي طريقه كانت دون انتظار إشارة من أحد. وصلنا الساحة على دوي إسعاف متخيل، كانت قنبلة قد ألقيت على مجموعة شباب أثناء صلاتهم الجمعة، وكان مازن البذيجي قد سقط شهيدا. كان المشهد مرعبا ومفرحا في آن واحد، تعرفت للتو على صورة لجيفارا في يد شاب إلى جواري، راقت لي الصورة والتفاصيل التي يحملها الفتى عن جيفارا، عاد الرفاق مساء في حين رفضت إلا البحث عن أحدهم ليهديني صورة لجيفارا أحملها نيابة عنه . أشغلتني الصورة كثيرا إلى الحد الذي أخفيت بها وجهي عن عدسات الكاميرات الذي بقيت تتكاثر حولنا كل يوم، حملت جيفارا يوما بعد آخر غير مبال بجوعي أو تعبي من توسد الرصيف ومعانقة مسيلات الدموع، وحتى اللحظة توقف عمري هناك، وسط مطبات وحفر كثيرة اعترضت الطريق، تعثرنا وتعثرنا فيما بقيت الصورة في خلدي وحدها واقفة، هي كل ما أمتلك وما كنت أنشد كطريق لخلاص أخير . جيفارا لم يمت، بندقيته في يدي وسيجارته لا تزال مشتعلة، وفي فبراير ما سينطق بأول طلقة، وسنمضي رافضين إلا إتمام المهمة المقدسة.