يموت الناس فتُدفن أجسادهم لكن الشجاعة والكرم هما اللذان دُفِنا يوم وفاة الشيخ غالب الأجدع... يموت البعض فيترحم عليهم البعض، إلا غالب الذي تترحم عليه الأيام والليالي والأماكن والكبار والصغار، ومن عرفه ومن لم يعرفه... إن الألفاظ قد ماتت لحظة موت الشيخ غالب، لكنه معنى كبير والمعاني الكبيرة لا تموت... كنت أحسبني كاتباً تطيعه كلماته، حتى مات غالب فجربت كيف يتأبى الكلام وتهتز المعاني في حضرة الموت. يا الله... ما معنى أن يموت غالب الأجدع؟! وأي قبر يمكن أن يتسع لكرمه وشجاعته؟! أية حفرة يمكن أن تحتويه، وهو الذي تعود ألا يكون وحده، وأن تتبعه الحشود أينما حل؟ّ! كيف سيبيت وحده دون رواد مجلسه وقصاد كرمه والفَزِعون إلى فزعته؟ّ! وكيف جاءه الموت إلى فراشه، وهو الرجل الذي تعوّد أن يقفز لملاقاة الموت في منتصف الطريق؟! الموت حق... والشيخ غالب بن ناصر الأجدع المرادي مات... مات وسام الكرماء مات إمام الحكماء ومات حزام الفرسان مات مضرب المثل في الكرم والشجاعة والحكمة وثبات المواقف... غالب الذي خالط الحكام ولم يُسجل عليه أي موقف لا ترتضيه شيم الرجال... غالب الذي تُروى قصص لا تحصى عن كرمه وشجاعته وحكمته وصفاء قلبه وطهارة روحه. ونحن صغار كنا نسمع عن مواقفه، كما نسمع عن مواقف عنترة العبسي وحاتم الطائي وزهير بن أبي سلمى المزني، ونمر بن عدوان الظفيري، وخلف بن دعيجا الشراري، وبقية الفرسان. كثيرون شهروا بخصال كثيرة، لكن غالب كان المحامد كلها في إنسان... رجل فريد...