الروح المعنوية هي أهم عامل حاكم في تفوق أي من الجيوش المتحاربة على مدى التاريخ.. في القرآن {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله} سورة البقرة 249.
القدرة على استخدام استراتيجية الروح المعنوية وتوظيفها في خدمة قضيتك يقربك نحو الهدف بسرعة مذهلة.. وإن سر تحفيز الأشخاص والحفاظ على روحهم المعنوية هو أن تدفعهم الى التفكير أقل ما يمكن في ذواتهم، وربطهم فكرياً بالمجموعة التي يقاتلون معها أو ينتمون إليها.. إن جيشا ً يملك الدافع يستطيع فعل العجائب، ويعوض عن أي نواقص مادية.
قال نابليون بونابرت وهو أحد أبرز الجنرالات العسكرية في التاريخ "الروح المعنوية تساوي ثلاث أضعاف القدرة الجسدية".. راجع كتاب استراتيجيات القوة "روبرت غرين ".. وفي القرآن الكريم قوله تعالى {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} سورة الأنفال66، أي ثلاث أضعاف ما يراه نابليون، بمعنى أن الفرد في حالة توظيف قوته المعنوية بمستواها الأعلى، فإن قدرته الجسدية تساوي عشرة أضعاف. وفي الحالة العادية تساوي ضعفين على الأقل.
قال تعالى {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين} سورة الأنفال66، ولكي تخلق هذه الروح المعنوية في الأفراد والمقاتلين والجيش عموماً فمن الضروري التركيز على الخطوات التالية:
الخطوة الأولى: وحد جنودك حول قضية:
أي اجعلهم يقاتلون من أجل فكرة يعتقدون صوابها وتستحق أن يلتفوا حولها ويضحوا من أجلها، لأن البشر بطبيعتهم يميلون الى الإيمان بشيء ما، يستحق أن يقاتلوا من أجله ويتنافسوا في الدفاع عنه، هذه القضية أو الفكرة هي التي تخلق فيهم هذه القوة المحفزة، وبشرط أن تكون هذه القضية من الوضوح والإقناع والعدل بما يجعلها كفيلة بحشد الطاقات حولها كالعقيدة والوطن والمستقبل والحرية.. الخ. استحضروا النبي الأكرم عليه أفضل الصلاة والسلام.
الخطوة الثانية: ابق بطونهم ممتلئة
ليس بمقدور الأشخاص أن يحافظوا على تحفزهم مالم يتم تلبية احتياجاتهم المادية ولو بحدها الأدنى، وإذا ما شعروا -بأي طريقة- أنهم يتعرضون للاستغلال هنا ستطفو أنانيتهم إلى السطح ويخفت حافز القضية في أنفسهم وبالتالي سينفصلون معنويا إذا لم ينفصلوا جسدياً.
فلا بد من تلبية حاجاتهم المادية ولا يعني ذلك إفسادهم بالدلال بأن تدفع لهم أكثر مما يستحقون فشعورهم بالحس الأبوي بأنك ترعاهم وتفكر براحتهم، أكثر أهمية عندهم من الدلال نفسه وبالتالي تستطيع حينها أن تطلب منهم المزيد في الوقت المناسب. تذكروا خالد بن الوليد في هذا المقام.
الخطوة الثالثة: كن في الطليعة
تفتر حماسة المقاتلين والأفراد عندما يشعرون بأن تصرفات القيادة تتناقض مع أقوالهم، يجب أن تقود أفرادك وجيشك من الأمام مشاركا إياهم المخاطر والتضحيات وأن تأخذ القضية التي تدفعهم للدفاع عنها على محمل الجد بدلاً من أن تحاول دفعهم من الخلف، دعهم يركضون وراءك لكي يجاروا سرعتك.
تذكروا الشهيد اللواء عبد الرب الشدادي _ أنموذجا.
الخطوة الرابعة: حرك عواطفهم
من أفضل الطرق لتحفيز المقاتلين ليست عبر المنطق بل عبر العاطفة فلا تحرك عواطفهم بالخطب التمثيلية فإن الأفراد يكتشفون ما في الكلمة من صدق وعمق أو تمثيل.
الناس غالباً ما يرتبطون بالقضايا مهما كانت عدالتها ووضوحها بعاطفتهم لا بعقولهم، نادرا ما نجد من يستهلك المزيد من وقته في التفكير بعدالة قضية ما بعقله، لكن من السهل على أغلب الناس الارتباط بالقضية عاطفياً ومن هنا لابد من تحفيز عاطفة المقاتلين وهذه وظيفة التوجيه المعنوي في الجيش بتوظيف العاطفة الإيمانية والوطنية في نفوس المقاتلين.
الخطوة الخامسة: امزج بين الرقة والقسوة
إن الموازنة بين الثواب والعقاب هو مفتاح إدارة البشر.. الكثير من المكافآت تفسد الجنود وتجعلهم يتعاملون معك كمصدر تربح ويمعنون في الدلال والكثير من العقاب يدمر الروح المعنوية.
لابد من التوازن في ذلك، اجعل مكافأتك ولطفك نادراً بحيث يصبح التصرف الكريم ذا قيمة كبيرة في نفوسهم.
كذلك بالنسبة للغضب والعقاب، اجعل جنودك يتنافسون في سبيل القضية التي يؤمنون بها ويقاتلون من أجلها ويضحون في سبيلها. اجعلهم يتنافسون لكي يحصلوا على لطف كثير وقسوة أقل.
الخطوة السادسة: كون خرافة المجموعة
أي اربطهم بانتصاراتهم السابقة وادفعهم إلى الحفاظ على سجلهم النظيف في الأداء العسكري المتميز أو ما يسمى ( التقاليد العسكرية للمجموعة )، هو ما يسميه بعض الجنرالات العسكريين ( الكبرياء العسكرية) بحيث يشعر المقاتل بالخزي عند انتقاصه منها أو ممارسة ما يخالفها.
يشعر المقاتل بالفخر بعدد المعارك التي شاركها وانتصر فيها، إنها تمنحه قدراً من الكبرياء والأنفة التي تجعله يخجل من ممارسة ما يجرح كبريائه العسكري أو أنفته القتالية.
الخطوة السابعة: لا ترحم المتذمرين
امنحهم في المعركة منفذاً وسينشرون الاضطراب والذعر داخل مجموعاتك القتالية، عليك أن تعزلهم فوراً وأن تتخلص منهم في أسرع وقت ممكن.
الخطوة الثامنة: استثر فيهم عامل الإبداع
كل فرد ومقاتل وقائد لديه نقطة إبداع خاصة يستطيع توظيفها في لحظة الذروة بحيث ينطلق كالرصاصة أو السهم، وتبرز تلك اللحظة في حالة شعوره بأنه المعني الأول والوحيد في تحمل مسؤولية انتصار قضيته، وهنا تذكر قول النبي – صلى الله عليه وسلم – (كل منكم على ثغرة فلا يؤتين الإسلام من قبله) أو كما قال عليه السلام.
ثق من أنك تعرف أنه لا الأعداد ولا القوة سيحققان لك النصر في الحرب، لكن الجيش الذي يذهب إلى المعركة بروح معنوية أقوى هو الذي لا يستطيع الأعداء احتماله.