شهدت أروقة الأمم المتحدة خلال الأيام الماضية نشاطاً سياسياً ودبلوماسياً مكثفاً للأخ رئيس مجلس القيادة ومعه الاخ وزير الخارجية ، وهو النشاط الذي شكل خطوة هامة وضرورية على طريق تفعيل المسار السياسي والدبلوماسي للقضية اليمنية .
لقد جاء هذا النشاط كجزء من التحرك السياسي الخارجي للقيادة السياسية ، ومن ضمنها المشاركة في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة وبهذا المستوى من التمثيل ، وفي وقت شهدت فيه القضية اليمنية تطورات هامة ، بدت معها الأمور وكأنها قد استقرت عند معادلة مختلة ، جعلت كثيرين يتحدثون عن انتهاء الحرب بلغة أضمرت القليل من الحكمة والكثير من التشفي .
استدل هؤلاء على صحة ما ذهبوا إليه من نتيجة بتحريك محرك الهدنة وتمديداتها المتعاقبة نحو الدائرة التي توقفوا فيها كثيراً عند مسألة واحدة وهي أن الهدنة إنما هي إخراج متفق عليه لتسوية يتم من خلالها تنفيذ شروط الحوثيين خطوة خطوة من منطلق أن انهاء الحرب هو مطلب الحكومة الشرعية التي خسرت المعركة ، ولذلك كان عليها أن تقبل بتمديد الهدنة بشروط الحوثي .
وزاد من محاولة تكريس هذا الاعتقاد السطحي لدى العامة :
١/ عدم التزام الحوثيين بتنفيذ ما يخصهم من شروط الهدنة ؛ ٢/ خروقات المليشيات الحوثية المستمرة للهدنة في أكثر من جبهة ؛ ٣/ التصريحات المتعاقبة للمسئولين الايرانيين بشأن شروط وقف الحرب ، والتي أطلقوها في صورة رسائل للمنطقة وللعالم كتأكيد على دور ايران الحاسم في رسم خارطة للصراع في المنطقة ؛ ٤ / وأخيراً الاستعراض العسكري الذي شهدته صنعاء مؤخراً في دلالة لا تخطئها العين عن تسويق " نصر عسكري" رافقه توزيع الحلوى بالطائرة ، تيمناً بما كان يعمله الأئمة في انتصاراتهم العسكرية ، ومعه اختزال الجماعة ومشروعها في عائلة الحوثي في مشهد مشرحي بدت معه العائلة وكأنها قد أقامت سلطتها العائلية بلا منازع .
لقد جاء هذا التحرك السياسي والدبلوماسي على الصعيد الدولي ليقلب الطاولة على هذا التهريج ، ويفكك ذلك الاعتقاد ، الذي سوقه البعض ، إلى عناصره التي أظهرت خفته وسطحيته في فهم معادلة الصراع التي يقوم حلها على فهم حقيقة أن الحرب مشروع تقوده جماعة سخرت نفسها لتدمير الدولة اليمنية لصالح مشروع طائفي ايديولوجي يخدم في الاساس مصالح نظام إيران ، وأن الحرب والسلام مسألة ذات ارتباط وثيق بقيام الدولة الوطنية اليمنية التي توفر شروط الحياة العادلة والكريمة لكل اليمنيين على السواء . وأن التراتبية الطبقية البغيضة باستعادة السيادة لعائلة بعينها فوق تلال من الخراب وأكوام من الجثث إنما تنم عن استخفاف بتاريخ هذا البلد وسيادته وكرامته ، وهو أمر لا يستند على أيّ من قيم هذا الشعب المكافح الذي قدم الضحايا تلو الضحايا من أجل تثبيت حقيقة أن سيادته لا يعلوها سيد .
من ذلك نستنتج أن ضخ هذا المفهوم الحقيقي للسلام إلى شرايين جهود المجتمع الدولي لانهاء الحرب جاء في وقته ، وعلى لسان قيادة الدولة ، وفي المكان المخصص .
ولا شك أن اقتران تشكيل مجلس القيادة بتحقيق السلام ، بدا معه الأمر وكأن المقصود بذلك هو تحقيق السلام على أي نحو كان . بينما الحقيقة هي أن السلام كان مطلباً ملحاً للقيادة الشرعية منذ الأيام الأولى للانقلاب الدموي العائلي الحوثي على الدولة ، ومن منا لا يتذكر ذلك التنازل الذي تم بدون ثمن في غمرة الانتصارات العسكرية في الحديدة استجابة لنداءات السلام الدولية .
منذ ذلك التاريخ تغيرت معادلة الحرب ، صار الحوثي هو الذي يهاجم في كل الجبهات ، فيما عدا الحالة الوحيدة التي طرد فيها من شبوة ، والتي أكدت أنه مجرد عنوان لهزالة وهزل المعطى التاريخي الذي غرق فيه اليمن .
إن العمل السياسي الناجح هو الذي سيعمل على إعادة بناء معادلة القوة على أسس تضع هذه الجماعة الطارئة في مكانها وحجمها الطبيعيين ، وسيكون من الخطأ والخطأ جداً أن تتحدد مهمته في تكييف الوضع لقبول تسوية تضع اليمن رهينة في يد عائلة السيد .
ما استوعبناه من الخطوط العريضة لهذا التحرك الهام أن مساراً سياسياً لاعادة بناء معادلة القوة قد تبلور ، وعلى الجميع أن يخوض معركة التحدي القادمة لتحقيقه.