تعرَّض الحوثيين لانتكاسة عسكرية كبيرة خلال محاولتهم الأخيرة السيطرة على مارب، أواسط هذا الشهر (فبراير/ شباط 2021)؛ إذ تُعدُّ الأقسى في معاركهم الخاسرة المنفردة، بعد انفراط تحالفهم مع الرئيس الراحل، على عبد الله صالح، عقب تصفيته على أيديهم، بالعاصمة صنعاء، في ديسمبر/ كانون الأول 2017.. ومن المؤكد أنهم تكبَّدوا خسائر فادحة في القوى والوسائل، بحسب ما كشفت عنه مواكبهم الجنائزية، واكتظاظ المستشفيات بالجرحى، وتحركات قادتهم في عدد من المحافظات بحثًا عن ما يعوضوا به خسائرهم الكبيرة في هذه المعركة.
ترتيبات الهجوم والسيطرة :
استعدّ الحوثيون لهذه المعركة زهاء أربعة أشهر، وشاركت فيها منطقتان عسكريتان، هما: المنطقة العسكرية الثالثة، التي يقودها الشيخ المتحدِّر من محافظة مارب، اللواء في الجيش السابق، مبارك المَشَن؛ والمنطقة العسكرية المركزية، التي يقودها شقيق زعيم الجماعة الحوثية، عبد الخالق الحوثي- المنتحل رتبة لواء، وصفة قائد هذه المنطقة. ووفقًا لمصادر حوثية، فإن جهدهم العسكري المدفوع في هذه المعركة، ضمن قوام هاتين المنطقتين العسكريتين، شمل- إلى جانب ما بحوزتيهما من وحدات مسلحة- ميليشياتٍ عَقَديةٍ أُعدّت خصيصًا للسيطرة على مارب، ومن ذلك ما يُعرف بكتائب الموت، والحسين، وكتائب أخرى قَبَلية، مثل: كتائب الرُّزامي (صعدة)، والوَهْبي (البيضاء)، مع تعزيزات مدرعة من قوات الحرس الجمهوري (سابقًا)، وجماعات محترفة من القناصة، ومكافحة الدروع..، وتساند هؤلاء جميعا طائرات غير مأهولة استطلاعية وهجومية..
وفي الجانب الاستخباري- لهيئة الاستخبارات والاستطلاع العسكري، في الهيكل التنظيمي لوزارة الدفاع التي يتحكم فيها الحوثيون بقيادة المنتحل رتبة لواء عبد الله يحيى الحاكم (أبو علي الحاكم)- تجلّى الدور التحضيري لهذه المعركة في الاتصالات التلفونية، التي كَشف عنها مواطنون من مارب، استُهدفوا ضمن عيِّنة مقصودة من سجلات الهاتف، بقصد التأثير في موافقهم وقناعاتهم تجاه الحكومة المعترف بها دوليًا، وتجاه الحوثيين أنفسهم.. وفي اتجاه آخر، مورست ضغوطًا مختلفة على شيوخ مناطق سيطرة الحوثيين، لحملهم- وأُسرهم- على تحذير واستدعاء المنخرطين في صفوف القوات الحكومية في مارب، وغيرها من المناطق غير الخاضعة لهم.
وبطريقة مفاجئة، زعّمَ الحوثيون اكتشافهم خلية تجسُّس تعمل لمصلحة المخابرات البريطانية، في توقيت يستهدف تعزيز ما يثيرونه من شائعات بأنهم يحاربون بريطانيا وأمريكا وإسرائيل..!! ثم عمدوا إلى محاولة توظيف انكشاف خلية تجسُّس نسوية تعمل لمصلحتهم في مارب، بإعتبارها عملية اختطاف تعسفي، قبل أن يشيعوا لاحقًا أن السُّلطات الأمنية بمارب سلَّمت نساء هذه الخلية إلى التحالف..!! ورافق ذلك، على غرار خطابهم بهذا الخصوص؛ الترويج بأن القوات الحكومية التي تقاتل في جبهات مارب، ليست سوى مقاتلين من تنظيمي القاعدة وداعش، ومقاتلين أجانب؛ ولم يكن ذلك إلا من قبيل محاولة لإكساب هجومهم على مارب بُعدًا أخلاقيًا وقبولًا شعبيًا ودوليًا؛ يرتبط الأول بالدفاع عن العِرض، ويرتبط الثاني بمكافحة الإرهاب..!
نتائج غير متوقعة :
لم يُساور الحوثيين أدنى شكٍ في أنهم قد يُهزمون في هذه المعركة. فقد كانت حساباتهم، ومن خلفهم إيران، تتوقع بأن تضع المعركة حدًا لطموحات الحكومة المعترف بها دوليًا، وداعمها الاقليمي، ممثلًا بالسعودية؛ بما يتخطى مصيرها، المصير الذي آلت إليه مدينة الحديدة الساحلية ومينائها، بموجب اتفاقية ستوكهولم عام 2018؛ وبما يقوي الموقف التفاوضي لإيران أمام الولايات المتحدة في المفاوضات المرتقبة بشأن الاتفاق النووي، الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2018، ووافقت الإدارة الأمريكية الجديدة على العودة إليه هذا الشهر، بوصفه أحد أجندات الرئيس الجديد جو بايدن. على الصعيد الداخلي؛ حركت المعركة- وفقًا لحساباتٍ مختلفة- أطرافًا بعينها، في القوى المنضوية تحت لواء الحكومة الشرعية، وعلى وجه الخصوص فصيل المؤتمر الشعبي العام المدعوم من دولة الإمارات، الذي يستند إلى قوات المقاومة الوطنية (حراس الجمهورية) المتمركزة في الجزء الجنوبي من ساحل تهامة (الساحل الغربي)؛ حيث أرسلت هذه القوات قافلة تموينية رُفقة ممثلين عسكريين عنها، وتسنَّى لهم اللقاء بوزير الدفاع الفريق محمد المقدشي، ورئيس هيئة الأركان العامة الفريق صغير بن عزيز، وأبدوا الاستعداد للمشاركة في مواجهة الحوثيين بقوام خمسة أو ستة ألوية عسكرية.
في صفوف الحوثيين؛ بدت الصدمة كبيرة، للدرجة التي ضاعفوا فيها الضغط بقوة على شيوخ القبائل، لحَمْلهم على الدفع بالمزيد من المقاتلين، والدعم المالي، لرفد الجبهات المنكسرة. الأمر الذي قد يخلق تمردات عديدة، قد يلجأ الحوثيون إلى قمعها بشتى الوسائل، بينها التصفيات الجسدية لكل من يخالف رغباتهم، كامتداد للمصير السيئ الذي حاق بعدد من الزعامات القبلية الصاعدة في عمران وصنعاء، ممّن كان لهم دورا ملموسا في دعم الحوثيين، إبان تقدمهم من صعدة عام 2014، وتوسعهم في البلاد، غربًا وجنوبًا، عام 2015. ثمة تسريبات، لكنها لا تزال غير مكتملة الصورة، تشير إلى أن القيادة الحوثية بصدد تعيين قائد جديد للمنطقة المركزية، خلفًا لعبد الخالق الحوثي، الذي كان أحد المشاركين في قيادة المعركة على أطراف محافظة مارب ووسط محافظة الجوف؛ مما قد يعمق الشقاق الحاصل في صفوف الحوثيين، الذي كشف عنه تقرير فريق خبراء مجلس الأمن المعني باليمن، الصادر في نهاية يناير/ كانون الثاني 2021- هذا إذا لم يكن عبد الخالق الحوثي قد تعرض لإصابات خطيرة في معركة مارب، قد تغيبه عن المشهد العسكري لفترة طويلة.
خيارات أطراف الحرب :
الملاحظ على طرفي المواجهة؛ أن وتيرة المعارك في جبهات مارب تراجعت حدتها، مؤخرا، وأن ما يثار من تقدم هنا أو هناك، لا يعدو أن يكون من قبيل الحرب النفسية التي يضخمها الإعلام، لا سيما في جانب الحوثيين، عدا ما يجري في جبهات قصيّةٍ عن مارب، تقع في عمق محافظة الجوف، حيث استدعى استئناف القتال فيها ضرورة التخفيف من الضغط الذي واجهته الحدود الغربية لمحافظة مارب، فيما لا يزال استعداد الجانبين جاريًا في كل الاتجاهات والمستويات. يؤمل الحوثيون معاودة الهجوم على مارب، بعد استكمالهم تعويض خسائرهم البشرية والمادية، وسط توقعاتهم بأن قوات الحكومة المعترف بها دوليًا، تتهيأ لخوض معركة هجومية تستعيد ما فقدته من مناطق، في مارب والجوف وصنعاء والبيضاء، منذ مطلع العام الماضي 2020. وقد يكون ذلك واردًا، بالنظر إلى التعزيزات التي دفعت بها ألوية العمالقة المتمركزة جنوبي الحديدة، وقوات نظامية أخرى من شبوة وأبين، علاوة على مجاميع قبلية تُمثل مقاومة شعبية قدِمت من المحافظات الجنوبية والشرقية والوسطى بالبلاد، وما يثار بشأن وصول أسلحة حديثة، بينها طائرات غير مأهولة، تركية المنشأ.
في السياق؛ قد تشارك قوات حراس الجمهورية في الجبهات المشتعلة، في مارب والجوف والبيضاء، في حال كان هنالك موافقة رئاسية قريبة؛ أو جاء ذلك متأخرًا كتعزيز للقوات الحالية؛ وفقًا لترتيبات سياسية تؤسس لمرحلة مستقبلية يشارك فيها أقرباء الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، بعد أن تُرفع عنهم عقوبات مجلس الأمن، لا سيما أحمد على عبد الله صالح، الذي شمله قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 لعام 2015، غير أن مثل هذه المشاركة، وفي وضع كهذا، قد تبدو متأخرة. ويبدو أن الحوثيين يتحسبون للأسوأ؛ في حال توحَّدت كافة أجنحة الحكومة المعترف بها دوليًا، واندلاع جبهة جديدة في خطوط المواجهة على الحدود الإدارية لمحافظات تعز، والضالع، وإب، ولذلك يمضون حثيثًا في حشد تعزيزاتهم من محافظة إب ومناطق نفوذهم في تعز، للدفع بها في هذه الجبهات، واقتصار تعزيز جبهة مارب والجوف والبيضاء، على ما تدفع به المناطق المجاورة لها.