على الرغم من أن مجرتنا هي "مدينة ضخمة" تضم ما لا يقل عن 200 مليار نجم، إلا أن تفاصيل كيفية تشكلها تظل مخفية إلى حد كبير في الغموض.
ويعرف العلماء أن النجوم تتشكل من انهيار سحب الهيدروجين الضخمة التي تنضغط تحت الجاذبية إلى النقطة التي يشتعل فيها الاندماج النووي، لكن نحو 30% فقط من الكتلة الأولية للسحابة ينتهي بها المطاف كنجم حديث الولادة، ما يطرح تساؤلات حول أين يذهب باقي الهيدروجين خلال هذه العملية؟.
ويُفترض أن نجما جديدا يُطلق الكثير من الغاز الساخن من خلال حزم بلازما متدفقة قوية ورياح شبيهة بالأعاصير تنطلق من القرص المحيط بواسطة حقول مغناطيسية قوية.
ولكن مسحا جديدا وشاملا يُظهر أن هذا التفسير الأكثر شيوعا لا يبدو أنه يعمل، ما يترك علماء الفلك في حيرة من أمرهم.
واستخدم الباحثون البيانات التي جمعت سابقا من تلسكوبات هابل وسبيتزر الفضائيين التابعين لناسا وتلسكوب هيرشل الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية لتحليل 304 نجما ناميا (وتسمى النجوم الأولية)، في مجمع الجبار، وهو أقرب منطقة رئيسية لتشكيل النجوم إلى الأرض. (ويشار إلى أن تلسكوبات سبيتزر وهيرشل لم تعد تعمل).
وفي هذا المسح الأكبر على الإطلاق للنجوم الوليدة حتى الآن، وجد الباحثون أن تنقية الغاز من خلال التدفق الخارجي لنجم قد لا تكون مهمة في تحديد كتلته النهائية كما تقترح النظريات التقليدية. وكان هدف الباحثين هو تحديد ما إذا كانت التدفقات النجمية الخارجة من النجوم توقف تصادم الغاز إلى نجم وتمنعه من النمو.
وبدلا من ذلك، وجدوا أن التجاويف الموجودة في سحابة الغاز المحيطة والتي تشكلت بفعل التدفق الخارجي لنجم متشكل، لا تنمو بانتظام مع نضوجها، كما تقترح النظريات.
Young stars, like children, are prone to temper tantrums. As the stars form and grow within giant hydrogen gas clouds,...
Posted by Hubble Space Telescope on Thursday, March 18, 2021
وأوضح الباحث الرئيسي، نولان هابل، من جامعة توليدو بولاية أوهايو: "في أحد نماذج التكوين النجمي، إذا بدأت بتجويف صغير، حيث يصبح النجم الأولي، سريعا، أكثر تطورا، فإن التدفق الخارج له يخلق تجويفا أكبر باستمرار حتى يتم تفجير الغاز المحيط في النهاية، تاركا نجما منعزلا".
وأضاف: "تشير ملاحظاتنا إلى أنه لا يوجد نمو تدريجي يمكننا العثور عليه، وبالتالي فإن التجاويف لا تنمو حتى تدفع كل الكتلة الموجودة في السحابة إلى الخارج. لذلك، يجب أن تكون هناك عملية أخرى جارية للتخلص من الغاز الذي لا ينتهي به المطاف في النجم".
خلال مرحلة ولادة النجم القصيرة نسبيا، والتي استمرت لنحو 500 ألف عام فقط، يتضخم النجم بسرعة كبيرة. وما يسبب الفوضى هو أنه، مع نمو النجم، يطلق رياحا، بالإضافة إلى زوج من الحزم الدوارة في اتجاهين متعاكسين. وتبدأ هذه التدفقات الخارجة في التآكل في السحابة المحيطة، ما يؤدي إلى حدوث تجاويف في الغاز.
وتتنبأ النظريات الشائعة بأنه مع تطور النجم الشاب واستمرار التدفقات الخارجة، تتسع التجاويف حتى يتم دفع سحابة الغاز بأكملها حول النجم بعيدا تماما. وعندما يكون خزان الغاز الخاص به فارغا، يتوقف النجم عن اكتساب الكتلة، بمعنى آخر، يتوقف عن النمو.
وللبحث عن نمو التجويف، قام الباحثون أولا بفرز النجوم الأولية حسب العمر من خلال تحليل بيانات هيرشل وسبيتزر وهابل لكل ناتج ضوئي لكل نجم.
ثم لاحظ علماء الفلك التجاويف في ضوء الأشعة تحت الحمراء القريبة باستخدام كاميرا هابل القريبة من الأشعة تحت الحمراء ومقياس الطيف متعدد الأجسام وكاميرا المجال الواسع 3.
وتم أخذ الملاحظات بين عامي 2008 و2017. وعلى الرغم من أن النجوم نفسها مغطاة بالغبار، إلا أنها تصدر إشعاعات قوية تضرب جدران التجويف وتنثر حبيبات الغبار، ما يضيء الفجوات في المغلفات الغازية في ضوء الأشعة تحت الحمراء.
وتكشف صور هابل تفاصيل التجاويف التي تنتجها النجوم الأولية في مراحل مختلفة من التطور. واستخدم الفريق الصور لقياس أشكال الهياكل وتقدير أحجام الغاز التي تم التخلص منها لتشكيل التجاويف. ومن هذا التحليل، يمكنهم تقدير مقدار الكتلة التي تمت إزالتها من قبل انفجارات النجوم.
سوف تتعمق التلسكوبات المستقبلية مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي القادم من ناسا في عملية تكوين النجم الأولي. وستراقب الملاحظات الطيفية للتلسكوب المناطق الداخلية للأقراص المحيطة بالنجوم الأولية في ضوء الأشعة تحت الحمراء، بحثا عن حزم البلازما في أصغر المصادر. سيساعد جيمس ويب أيضا علماء الفلك في قياس معدل تراكم المواد من القرص إلى النجم، ودراسة كيفية تفاعل القرص الداخلي مع التدفق الخارجي.
وقال عالم الفلك توم ميغيث من جامعة توليدو: "وجدنا أنه في نهاية مرحلة النجم الأولي، حيث يسقط معظم الغاز من السحابة المحيطة على النجم، لا يزال عدد من النجوم الفتية بها تجاويف ضيقة إلى حد ما. إذن، هذه الصورة التي لا تزال شائعة حول ما يحدد كتلة النجم وما يوقف انسداد الغاز، هو أن تجويف التدفق الخارج المتزايد هذا يجرف كل الغاز. وكان هذا أمرا أساسيا جدا لفكرتنا عن كيفية تكوين النجوم".
وقال الباحثون إنه على الرغم من أنه لا يزال من الممكن أن تلعب الرياح والحزم المتدفقة دورا ما في تكوين النجوم ، إلا أن هذا الدور لا يبدو مهما كما كنا نعتقد. ومن الممكن أن تكون التدفقات الخارجة الأبطأ والأعلى كثافة هي المسؤولة، لكنها تستغرق وقتا أطول لإزالة التجويف، ولكن من دون ملاحظات أكثر تفصيلا، من المستحيل معرفة ذلك.
لذلك، ستكون هذه إحدى الخطوات التالية للعلماء، لمحاولة تحديد الآليات الأخرى التي يمكن أن تستدعي وقف النمو بمساهمة أقل بكثير من ردود الفعل النجمية.
المصدر: لايف ساينس