كشفت وثائق رسمية عن دور للولايات المتحدة الامريكية، في التصعيد الاخير من جانب "المجلس الانتقالي الجنوبي" التابع للامارات، وإعلانه باسم "اللقاء التشاوري للمكونات الجنوبية" رغم مقاطعة معظم هذه المكونات اللقاء، "الاصطفاف الجنوبي ضد الاحتلال اليمني" و"إقرار وثيقة اسس بناء الدولة الجنوبية الفيدرالية" تمهيدا لفرض انفصال جنوب اليمن.
سرب هذا الكشف، موقع "بوليتيكو" الامريكي، بنشره وثائق علاقة مباشرة بين "المجلس الانتقالي الجنوبي" وشركة امريكية متخصصة في اعمال ونشاط العلاقات العامة، تعاقد معها "الانتقالي" لتتولى مهام الترويج في وسائل الإعلام الامريكية والدولية لأجندته الانفصالية، ومواكبة ودعم التحركات التي يعتزم البدء بتنفيذها ذات الصلة.
وذكر الموقع الامريكي في تقرير نشره مطلع مايو الجاري أن شركة (Hyperfocal Communications) التي أطلقها العام الماضي المدير الميداني السابق لدونالد ترامب، ستيوارت جولي وعضو اللوبي الديمقراطي يولاندا كاراوي، ستتولى عملية الضغط من أجل الانتقالي الجنوبي لمدة عام، وقدمت أوراقها بداية الشهر لتمثيل الانتقالي.
استمد موقع "بوليتيكو" الامريكي المعلومات التي نشرها عن الصفقة، إلى نسخة من وثيقة مقدمة إلى وزارة العدل الأمريكية، تناولتها في وقت سابق، صحيفة "نيويورك تايمز". مشيرا إلى أن المجلس الانتقالي هو أول عميل لهذه الشركة، ويحتفظ أيضا ببرنامج آخر مستقل في واشنطن دفع له العام الماضي 90 ألف دولار. حسب تعبيره.
وأظهرت الوثائق المسربة توقيع صالح غالب القعيطي عن "المجلس الانتقالي الجنوبي" عقدا مع المدير الاداري لشركة علاقات عامة امريكية، تيم فيليبس، في واشنطن بتاريخ 26 من أبريل الماضي، لتنفيذ حملة دعاية وعلاقات عامة في وسائل الاعلام ودوائر القرار الامريكي تروج لاعلان انفصال جنوب اليمن بدولة جنوبية فيدرالية.
حسب الوثائق فقد بلغت قيمة العقد مليون ومائتي الف دولار، جرى دفع 300 ألف دولار منها عند توقيع العقد، على ان يتم دفع باقي المبلغ 900 ألف دولار خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. ما يكشف جانبا من اجمالي الايرادات العامة التي يستولي عليها "المجلس الانتقالي" منذ انقلابه ومليشياته على الشرعية في اغسطس 2019م.
وبدا لافتا أن المدير الإداري للشركة الامريكية المتخصصة في خدمات العلاقات العامة (الاعلامية والدعائية) المتعاقدة مع "المجلس الانتقالي"، مقابل ما يقارب مليار ونصف المليار ريال يمني (بسعر صرف الريال في عدن)، هو تيم فيليبس المستقيل في العام 2021 من مجموعة شعبية أمريكية بعد فضيحة عن علاقة خارج الزواج.
حسب موقع "بوليتيكو"، فإن تيم فيليبس الذي يعمل كمدير إداري للشركة المعروفة باسم (Hyperfocal Communications) سيتولى الدفاع عن الانفصاليين اليمنيين (في إشارة للمجلس الانتقالي) ورفع مصالحهم في واشنطن، رغم علمهم أن ذلك سيؤدي لتفكيك اليمن إلى دولتين، قائلا: إن ذلك هو الهدف الذي يسعى له الانتقالي.
الموقع الامريكي، نوه في تقرير نشره مطلع مايو الجاري، إلى أن فيليبس سيعمل في هذه المهمة مع شخصيات أخرى، بينهم عضو اللوبي الديمقراطي المتحدث السابق باسم هيلاري كلينتون بريان وولفولك، والمتحدث باسم اتحاد كرة القدم الأميركي تريسي بلانت، ولورين جيلمور، وروبرت ويلسون، وجميعهم يعملون في الشركة ذاتها.
وأصدر "المجلس الانتقالي"، الخميس، بيانا ختاميا لما سماه "اللقاء التشاوري للمكونات الجنوبية" في عدن، رغم إعلان معظم هذه المكونات مقاطعة الحوار، تضمن اعلان انفصال جنوب البلاد، ودعوة "الدول العربية الشقيقة والمجتمعين الإقليمي والدولي الى احترام تطلعات شعب الجنوب وحقّه في نيل حريته واستقلاله واستعادة دولته الجنوبية المستقلة". حسب تعبيره.
سعى "المجلس الانتقالي" من تنظيم "لقائه التشاوري" إلى فرض "ميثاق جنوبي" و"رؤية جنوبية" كان صاغها فريقه "للحوار الجنوبي"، واضفاء طابع شرعي شكلي على الميثاق والرؤية بإقرارها من اللقاء، لتثبيت تقديم نفسه منذ انشائه بتمويل اماراتي في العام 2017م، الممثل والحاكم الوحيد لجنوب البلاد، وهو ما حدث باعلانه ادماج مكوني الحراك الثوري والحراك الجنوبي.
وأكدت مخرجات حوار "الانتقالي" مع نفسه، ما ذهب اليه مراقبون للشأن اليمني في أنه تفوق على نظام الرئيس الاسبق علي صالح عفاش، في إعمال نهجه وكلوساته لإنشاء المؤتمر الشعبي". وأن "الانتقالي في مساعيه لتنصيب نفسه ممثلا وحاكما وحيدا لجنوب اليمن، يطبق حرفيا نهج عفاش في الاستحواذ على القرار والسلطة واحتواء ثم اقصاء منافسيه ومعارضيه، وشق صفوفهم.
وبدأت المليشيا الانقلابية والمتمردة، التابعة لما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي" والممولة من الامارات، تنفيذ ما سبق لها اعلانه قبيل اختتام لقاء "الانتقالي" التشاوري، وشرعت في أول اجراءات تنفيذ اعلان انفصال جنوب اليمن الصادر في البيان الختامي للقاء، وما تضمنه من إقرار مضامين ما سماه "الميثاق الجنوبي" و"وثيقة "اسس الدولة الجنوبية الفيدرالية".
وسجلت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، أول تعليق لها، على "اللقاء التشاوري" الذي اطلقه الخميس "المجلس الانتقالي" رغم اعلان معظم وأكبر المكونات الجنوبية، الفاعلة، مقاطعته رفضا "لهيمنة الانتقالي ووصايته"؛ وكشفت اهداف "اللقاء" وتكلفة تنظيمه، وكذا جهة تمويله. مؤكدة أن اللقاء يسعى إلى اصباغ صفة شرعية مزيفة على مساعي "الانتقالي" لفرض انفصال جنوب البلاد.
وأعلن 25 مكونا جنوبيا، سياسيا ومدنيا وقبليا، رسميا، مقاطعة حوار "المجلس الانتقالي" التابع للامارات، واتفقت في رفض "ادعاء الانتقالي تمثيل الجنوب" وفي اعتبار حواره "حوارا مع اعضاء المجلس الانتقالي لتنصيب نفسه وصيا على الجنوب بقوة السلاح والمليشيا". حسب ما رصده "العربي نيوز" وأكده المتحدث الرسمي باسم "المجلس الثوري الاعلى للحراك الثوري الجنوبي".
ووضعت المكونات السياسية والمدنية والمجتمعية لجنوب البلاد، "المجلس الانتقالي" التابع للامارات، في موقف محرج جدا، بإعلان معظم هذه المكونات رفضها تلبية دعوته إلى المشاركة في حواره أو ما سماه "اللقاء التشاوري للمكونات الجنوبية"، وحدد موعدا لانعقاده يجسد هيمنته باختياره يوم ذكرى زعم "تفويضه الشعبي"، مرجعة مقاطعتها إلى "رفض وصاية الانتقالي على الجنوب".
وكشفت صور ومقاطع فيديو، خاصة، من داخل قاعة ما سمي "اللقاء التشاوري للمكونات الجنوبية" المنعقد الخميس في العاصمة المؤقتة عدن؛ مشاهد مخزية احرجت "المجلس الانتقالي الجنوبي" التابع للامارات، أظهرت حقيقة تضاؤل حجم "الانتقالي" والقبول الشعبي له في جنوب البلاد، ورفض الجنوب له وهيمنته لولا ترسانة مليشياته المسلحة، الممولة من التحالف وبخاصة الامارات.
في المقابل، أعلن "المجلس الانتقالي الجنوبي" استغناءه عن مكونات الجنوب الرافضة المشاركة في حواره، وأكد في وقت سابق لبدء انعقاد حواره الخميس، مضيه في ما سماه "الحوار الجنوبي" وعقد "اللقاء التشاوري للمكونات الجنوبية" مستخدما حيلة اقصائية حاذقة، للتحايل على إعلان معظم هذه المكونات مقاطعتها الحوار، لأسباب عزتها إلى "رفض الالحاق والضم والالتفاف على حق المشاركة والندية".
يشار إلى أن "المجلس الانتقالي" ينتهج نهجا شموليا مستبدا بالقرار، على غرار نهج الحزب الاشتراكي اليمني، إبان حكمه لجنوب اليمن، ويعمد إلى قمع كل المعارضين وتصفية المنافسين عبر دمجهم وتذويب كياناتهم دون اشراكهم بالسلطة والقرار، أو عبر الاعتقالات والاغتيالات الدموية التي شهدها الجنوب منذ إنشاء الامارات "المجلس الانتقالي" في جنوب اليمن.