يواصل الريال اليمني تراجعه بشكل متسارع أمام العملات الأجنبية في مؤشر ينذر بتفاقم كارثي للأوضاع الاقتصادية والمعيشية والإنسانية في البلاد التي تعاني من حرب وصراع طاحن وتواجه تبعات مؤثرة جراء انتشار فيروس كورونا في معظم المدن اليمنية.
وتشهد العملة المحلية انهياراً متواصلاً منذ نفاد الاحتياطي النقدي من الوديعة المالية السعودية التي كانت موضوعة في البنك المركزي اليمني والمقدرة بملياري دولار، في حين فقد الريال نحو 50 في المائة من قيمته منذ حوالي شهر، إذ انخفض من 640 ريالا إلى 710 ريالات للدولار الواحد في عدن ومناطق سيطرة الحكومة اليمنية، بينما لا يزال مستقراً في مناطق سيطرة الحوثيين عند 599 ريالا مقابل الدولار.
وفي تعميم وجهته جمعية الصرافين اليمنيين إلى شركات ومنشآت الصرافة، أشارت إلى الارتفاع الكبير غير المنطقي للدولار مقابل الريال اليمني، وقالت، إن سبب الارتفاع هو عمليات المضاربة غير المسؤولة وانجرار الصرافين وراء الشائعات التي تثير البلبلة في الأسواق.
وحذر البنك المركزي أطراف الجهاز المصرفي وشركات ومنشآت الصرافة تحديداً، وحملهم المسؤولية الكاملة عن كل النتائج القادمة، مؤكداً أن البنك المركزي يدرس كل الخيارات لوقف هذا التدهور، واتخاذ إجراءات قاسية لوقف التلاعب والمضاربة بأسعار الصرف، وتسيير حملات واسعة لضبط المتلاعبين بالعملة من الصرافين إضافة إلى تنظيم حملات تفتيش دقيقة على كافة البنوك.
وكان مصدر مصرفي في البنك المركزي اليمني أكد لـ"العربي الجديد"، أن البنك يعاني عجزا كبيرا في العملة الصعبة من الدولار الأمر الذي يجعله غير قادر على مواجهة المتطلبات المتعلقة بتوفير العملة الصعبة للتجار للاستيراد خصوصاً والأسواق اليمنية تعاني من أزمة سلعية وانخفاض كبير في معروض عدد من السلع الغذائية المدعومة من الوديعة السعودية.
وحسب الخبير المصرفي نشوان سلام ، فإن عدن تعيش وضعاً كارثياً على كافة الأصعدة منذ إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً الإدارة الذاتية في 18 إبريل/ نيسان الماضي، إذ تعيش منذ ذلك الوقت تدهوراً مريعاً في كافة مناحي الحياة والخدمات العامة من كهرباء ومياه وانفلات الأسواق ونهب متواصل للإيرادات العامة وفرض الجبايات وشلل تام يضرب مختلف المؤسسات الاقتصادية العامة.
ورأى سلام في حديث مع "العربي الجديد" أن تسارع انهيار العملة هو آخر فصول أزمات المجلس المدعوم إماراتياً والذي وجد نفسة تائهاً وسط هذه المعمعة من الأزمات، مؤكداً استمرار انهيار العملة في عدن ومناطق سيطرة الحكومة اليمنية بسبب نفاد الاحتياطي النقدي ونهب الإيرادات العامة وعدم قدرة البنك المركزي على التدخل لضبط السوق النقدية والمصرفية.
وقال الخبير الاقتصادي محمد الرفيق رئيس قسم العلوم المالية والمصرفية في جامعة ذمار، إن هناك تدميرا ممنهجا للعملة اليمنية، كانت خطوته الأولى قرار نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن وتعطيله عن القيام بأي مهام مصرفية وعدم القدرة على ربطه بفروعه في محافظات نفوذه المالية والمصرفية.
وحول أسباب تسارع انهيار العملة في عدن ومناطق الحكومة اليمنية، فسر الرفيق لـ"العربي الجديد" ذلك بالصراع الحاصل وعدم الاستقرار وغياب أي سلطة حكومية، ولم يستبعد الطباعة النقدية من العملة الورقية كسبب رئيسي في انخفاضها المتواصل وغرق الحكومة هناك في ديون ثقيلة منها رواتب الموظفين المدنيين وودائع القطاع المصرفي.
ويعيش اليمن على وقع صراعات مركبة بين جميع الأطراف، منها الصراع القائم بين الحكومة اليمنية والحوثيين على العملة الجديدة المطبوعة، إضافة إلى أزمة رواتب القطاع العام المحددة ضمن بنود اتفاق استوكهولم في المرفق الاقتصادي للاتفاق والمشروطة بتوريد الإيرادات العامة إلى حساب حكومي في فرع البنك المركزي في محافظة الحديدة الساحلية غرب اليمن.
وتأثرت الأسواق اليمنية كثيراً نتيجة هذا الصراع الذي تسبب في انخفاض الريال اليمني بنسبة كبيرة مع فارق سعري بين عدن (جنوباً) وصنعاء (شمالاً) و ارتفاعات واسعة في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية في عموم المناطق اليمنية، وتأسيس سوق سوداء رائجة في "التحويلات المالية".
بدوره، أكد الباحث الاقتصادي مجدي إبراهيم، عدم التزام سوق العملة في اليمن بقواعد التعاملات المالية المعروفة، مشيراً إلى تأثير الفراغ السياسي والحكومي وغياب الرقابة المصرفية واختلاطها مع الهدف العام لكل تجارة والمتمثل بالربح، وفقدان الأمل في إجراء إصلاحات اقتصادية أو القيام بإجراءات إنقاذيه مع ترك الحبل على الغارب للصرافين الذين أمسكوا بالعرض في سوق حساس جداً وشديد الطلب.