"هرتزل" وخطة "جلازر" في إقامة الدولة اليهودية في اليمن بدلا عن " فلسطين "

قبل 3 سنة | الأخبار | اخبار الوطن

قرأ "تيودور هرتزل"قبل عام من تأسيس "الكونجرس الصهيوني العالمي" الأول تقريرًا لـ "إدوارد جلازر"، الذي كان قد أرسله إلى البارون "هيرش حثه على تأسيس الدولة اليهودية في اليمن.

وُلد “جلازر” عام 1855 لعائلة تعمل في الزراعة بمدينة “بوهيميا”، وأكمل تعليمه الأساسي في" براغ" وبدأ دراسته الأكاديمية في “فيينا” ولكنه لم يكملها. وتوجه إلى منظمة “كل إسرائيل أصدقاء” في باريس وطلب مساعدتهم بتمويل أبحاثه في اليمن.

وضمَّ “جلازر” في خطابه توجيهات "ميلر" – حاخام ومحاضر في جامعة فيينا – الذي كان يتحدث دائمًا عن أهمية اليمن، سواء من ناحية إنتاج الزيوت والبخور أو من ناحية يهودها الذين أثّروا في الحكم لفترة طويلة.

وقال “جلازر” في خطابه إلى البارون “هيرش” إنه عاش أيضًا في تونس حوالي سنتين قبل رحلته إلى اليمن؛ حيث كان يدرّس أطفال السفير النمساوي، وتعلم هناك اللغة العربية، وتعرف على قادة الطوائف اليهودية في البلدان العربية.

كان “روتشيلد” واحدًا ممن قدموا المساعدة له في رحلاته، وسافر في مايو 1882 إلى صنعاء، وظل يتردد منذ ذلك الوقت إلى اليمن حتى عام 1900 وبلغت رحلاته حوالي أربع مرات في فترات مختلفة. وكان يرسم خلال إقامته خرائط لكل مكان يقوم بزيارته، كما حصل على الكثير من المخطوطات الحميرية التي تمتلئ بها حالياً متاحف كثيرة في العالم، ولم يتم حل ألغاز الكثير منها حتى الآن.

وكان “جلازر” يتجول في اليمن كما لو أنه فردًا منها وليس غريبًا، وبحث في جنوب اليمن عن رجل دين مسلم، وعندما وصل إلى مأرب دعاه الأهالي إلى إلقاء خطبة الجمعة في المسجد. وقد أسفرت نتائج رحلته كثير من الخرائط والكتب والوثائق التي أثرت بمعلومات غزيرة عن شبه الجزيرة العربية.

وكتب التقرير إلى البارون “هيرش”، واقترح له اليمن مكانًا لاستيطان اليهود، وكان الأخير متعلقَاً بفكرة إقامة الدولة اليهودية في الأرجنتين، ولذا لم يلتفت إلى “جلازر” واقتراحه.

لكن “هرتزل” كتب في يومياته حول أوضاع اليهود ومباحثات العلاقات بين انجلترا وتركيا، أنه قرأ خلال رحلته إلى لندن تقرير “جلازر” عن اليمن، ولم يستحسن فكرة استيطان اليهود هناك.

وفى وقت متأخر تبادل “هرتزل” و”جلازر” الخطابات، وبالفعل لم يتفقا حول مسألة الأرض الموعودة، ولكنهما اتفقا على حل مسألة إيجاد أرض لليهود، وكان “هرتزل” يعتقد أن فلسطين هي المكان المطلوب والممكن.

ومع انعقاد الكونجرس الصهيوني، أسف “جلازر” – الذي أعلن أنه غير صهيوني – على مكان الانعقاد، كون بعض معاديّ السامية وبعض اليهود في ميونخ عارضوا اختيار هذا المكان، ولذا اقترح لندن أو برلين أو القسطنطينية بدلًا عن ميونخ، وكان حريصاً على الاجتماع مع “هرتزل” لمناقشة أوضاع اليهود.

وترجع معارضة “جلازر” في إقامة دول يهودية في فلسطين إلى رغبته في مكان لا يثير معارضات المسلمين والمسيحيين، ووفقًا لهذا اقترح البحث عن منطقة لا يحدث فيها صراع أيدلوجي وديني، كما أن إقامة الدولة اليهودية في فلسطين ستسقط حال إعلانها.

وأوضح بأن صنعاء هي الأرض الموعودة، وإعادة بناء سد مأرب يمكن أن يحل مشكلة ما لا يقل عن 200 إلى 300 ألف مزارع بدون الضرر بحقوقهم الشخصية، ويمكن لعشرة أو خمسة عشر سد مثله أن يحلّوا مشكلة 5 مليون مواطن.

وقال صراحة إن فلسطين ليست المكان المنشود، واصفاً نفسه بأنه أكثر الباحثين خبرة للشرق، ولا يوجد شخص مثله حتى ولو كان تركيًا يستطيع أن يذكر فوائد اليمن كحل لمشكلة اليهود.

وذكر في أحد مقالاته موجهاً خطابه إلى “هرتزل”، “لو نزلت إلى اليمن، لن تتنازل عنها كدولة لليهود، وفلسطين هي أبعد ما تكون عن كونها وطنًا، أطلب منك الحفاظ على سرية هذه الفكرة”، وقد حفظ “جلازر سر إقامة الدولة اليهودية في اليمن بعد انتشار الفكرة القومية لكيلا ينفذها غيره.

ونشر “جلازر” في 28 ديسمبر 1897 مقالًا شديد اللهجة ينتقد فيه بشدة فكرة إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وكان المقال تحت عنوان “الصهيونية -التمهيد بإعادة المشكلة الشرقية”، ومن خلال افتتاحية المقالة يتبين موافقة البعض على فكرة جلازر، وكان لهذا المقال صدى واسع في أوساط الطائفة اليهودية في ألمانيا.

وقد هاجم في هذا المقال “هرتزل” وفكرة استيطان اليهود في فلسطين، مدعيًا أن إقامة دولة يهودية في فلسطين ما هي إلا مؤامرة بريطانية أعدت خصيصًا لتقسيم المملكة التركية.

وأوضح الأسباب التي أيّد فيها النظام البريطاني “هرتزل” ونشاطه من أجل دولة يهودية في فلسطين، حيث يعتقد “جلازر” أن بريطانيا العظمى ستفتح خط بري إلى الهند بجانب الخط البحري الذي تسيطر عليه.

وأوضح أن الدولة اليهودية في فلسطين ستكون “دويلة حاجزة” تفصل بين كل العالم، وستكون ضد فرنسا وضد الروس وحتى ضد الأتراك أنفسهم، وأن اليهود سوف يعانون من ذلك.

وتعقيباً على مقالة “جلازر”، كتب “هرتزل” مقالاً تحت عنوان “الصهيونية”، وقال إن البروفيسور “جلازر” يرغب في توطين اليهود في مكان لا يرغبون به، ويريد أن يفرض هذه الفكرة على محاور المؤتمر الصهيوني، ويرى أنها مؤامرة ضد المجتمع مع أنه يرى بعينه الجيش اليهودي متحداً مع الجيش البريطاني ضد الجيش الروسي والفرنسي.

وأكد “هرتزل” أن غرض الصهيونية هو: توطين اليهود بهدوء وسيسعد الأتراك بذلك؛ لأن خزاناتهم فارغة وسيوفّر الاستيطان اليهودي لهم الكثير من المال، وإن المسيحيين الذين يساعدون الصهيونية أصدقاء حقيقيون لفكرة الصهيونية. في حين كتب البروفيسور “ماكس نورداو” مقالًا يقول إن “جلازر” أسير العقلية العربية ولا يميز بين الواقع والخيال.

لكن جلازر رد بأن هرتزل ونورداو، اللذان لم يقيما في الشرق ولا يعرفا شيء عنه لا يتحدثا عن واقع، ووصفهما بأنهما ثرثارين لا يعرفا كيفية الحديث ويستخدمان أسلحتهما ضد أي شخص يخالف رأيهما.

ومن المحتمل أن نجد في كلام “جلازر” بعض الكراهية لـ”هرتزل”، وقد حاز الأخير تأييد شعبي واسع، كما شجعته الطبقات العليا، وكان مشهوراً بكتاباته الأدبية، ولم يكن “جلازر” متقرباً من هذه الطبقة، حتى أنه أثار عليه مُدرسه “ميلر”، كما حاول “جلازر” الحصول على مكانة في تلك الطبقة الأكاديمية ولكنه لم يستطع.

أحمد الديب، حاصل على ماجيستير في اللغة العبرية وآدابها.