تصطف سيارات كثيرة أمام محطات الوقود منذ نحو شهر في مناطق سيطرة المتمردين في اليمن، وسط معاناة من نقص حاد في المحروقات له تداعيات وخيمة على السكان بعد سنوات الحرب المضنية.
وليست أزمة الوقود أمرا جديدا في اليمن الغارق في الاقتتال اليومي منذ 2014، لكن الأزمة بدأت تتضخّم مؤخّرا بينما يمر البلد الفقير بأسوأ أزمة إنسانية في العالم بحسب الأمم المتحدة، يفاقمها تفشي فيروس كورونا المستجد.
ويشهد اليمن نزاعاً مسلّحاً منذ يوليو 2014 حين بدأ المتمردون الحوثيون هجوما نحو العاصمة صنعاء ومناطق أخرى، قبل أن يتصاعد في مارس 2015 مع تدخل السعودية على رأس تحالف عسكري دعما للحكومة لوقف زحف الحوثيين المتهمين بتلقي الدعم من إيران.
وقتل في اليمن منذ بدء عمليات التحالف آلاف المدنيين، فيما نزح أكثر من 3,3 ملايين شخص عن منازلهم.
وتتّهم الحكومة والتحالف الذي تقوده السعودية المتمردين بالتسبّب في النقص في الوقود في محاولة للضغط من أجل رفع الحصار المفروض عليهم، إلا أن الحوثيين يزعمون أن التحالف يمنع وصول الوقود إلى مناطقهم بهدف خنقهم اقتصاديا.
ويجد المدنيون أنفسهم عالقين وسط تبادل الاتهامات يوميا، مع تحذير منظمات دولية من أن الوقود أصبح سلاح حرب.
وقال مدير منظمة "أوكسفام" في اليمن محسن صدّيقي لوكالة فرانس برس "قد يؤدي نقص الوقود الذي طال أمده إلى تعريض الملايين لخطر الإصابة بفيروس كورونا المستجد والأمراض المنقولة بالماء مثل الكوليرا لأن الوقود ضروري لتوفير المياه النظيفة في اليمن".
كما يؤثر شح الوقود على إنتاج الكهرباء وتشغيل المستشفيات وحركة النقل والأسعار.
كهرباء المستشفى
في 26 يونيو، حذّرت شركة النفط اليمنية الواقعة في مناطق المتمردين من أنّ مخزوناتها بدأت تنفذ.
وقالت الشركة في بيان إنّ التحالف يمنع منذ نحو ثلاثة أشهر 15 ناقلة على الأقل من تفريغ 420 ألف طن من الوقود والديزل في ميناء الحديدة (غرب) الواقع كذلك في منطقة يسيطر عليها الحوثيون.
ويقوم التحالف عادة بتفتيش السفن المتجهة نحو الحديدة لمنع تهريب السلاح إلى المتمردين.
في المقابل، تنفي الحكومة المعترف بها دوليا احتجاز التحالف للسفن، وتقول إنّ الحوثيين افتعلوا الأزمة "لممارسة الابتزاز"، وفقا لوزير الإدارة المحلية عبد الرقيب فتح الذي يرئس اللجنة الوطنية للإغاثة في الحكومة.
وقال فتح "هناك 250 قاطرة وقود محتجزة عند مداخل مناطق سيطرة الحوثيين في البيضاء والجوف وتعز قادمة من مرافئ الشرعية، والحوثيون يمنعون دخولها لتفريغ حمولتها" بحجة أنها ليست من نوعية جيدة.
وطالت التبعات مستشفى الثورة في صنعاء.
وقال مدير المستشفى عبد اللطيف أبو طالب لفرانس برس إنّ الكهرباء لم تعد تصل بشكل منتظم، محذّرا من أنّ قسمي العناية الفائقة وغسيل الكلى قد يكونان الأكثر تضررا.
وأضاف "بسبب نقص الوقود، لم يعد الأطباء والممرضات يصلون بسهولة إلى المستشفى"، مشيرا إلى أنّ أسعار المعدات والمنتجات اللازمة لعمل أقسام المستشفى باتت مرتفعة للغاية.
أمام محطة وقود في صنعاء، أكد رجل لفرانس برس أنّ هناك أشخاصا ينتظرون في صف طويل منذ ثلاثة أو أربعة أيام، مضيفا "شبعنا ظلما، هذا حرام".
حصلة ضئيلة في الحديدة المطلة على البحر الأحمر، أكدت فاطمة (38 عاما) التي تعمل في أحد المراكز الصحية من جهتها أنّها انتظرت ليومين في طقس حار وصل لـ40 درجة مئوية حتى تتمكّن من تعبئة خزّان وقود سيارتها.
وأوضحت "تركت سيارتي مساء وذهبت للمنزل، ثم عدت صباحا الى المحطة لمتابعة الانتظار في صف السيارات".
أمّا هاني محمد (41 عاما) وهو سائق حافلة نقل بين مدينة الحديدة وصنعاء، فقال إنه لم يعمل لأسبوعين ولذا اضطرّ لأن يشتري الوقود "بسعر السوق السوداء ومضاعفة أجرة نقل المسافرين".
ووصل سعر لتر الوقود الى 1200 ريال يمني أي ما يعادل دولارين وهو ثلاثة أضعاف السعر السابق.
وبعد يومين من الانتظار، حصلت هالة (37 عاما)، المدرّسة، على 30 ليترا فقط، ضمن "حصة ثابتة للجميع"، لكنها قالت إنها واثقة بأن مسألة تخصيص حصة ضئيلة لا تنطبق على الجميع.
وأوضحت "هذا لا يحدث مع المقرّبين من السلطات بالطبع".
وفي مقابلة مع فرانس برس، صرّحت منسّقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن ليزا غراندي أن "الوقود اللازم للحفاظ على عمل المستشفيات وتشغيل محطات المياه وتشغيل أنظمة الري، محتجز في السفن".
وقالت "مشكلة السفن تفاقم الوضع الاقتصادي الذي يشبه بشكل مخيف ما رأيناه عندما كانت البلاد على حافة المجاعة قبل 18 شهرا".