خطبة الجمعة مني لكم- قيام القيامة*!!!!!
دكتور ليبي يعمل في مجموعتي, أورد لي من محيطه قائلا, كان في عندهم قرابة في كتائب القذافي اصيب في حادث سيارة في مدينة سرت "ايام القذافي"، و بسبب الحالة قالو لابد انهم يسفروه على سويسرا، و لابد ان يكون معه رفيق. الرفيق هو اخوه الوحيد، و الذي يعيش في منطقة نائية في الصحراء يرعى الغنم. احضروا اخوه و جواز و تذاكر و صارو بقدرة قادر في سويسرا. المشكلة صارت ليس في المصاب بقدر في المرافق فيما بعد, الذي لن يتعالج منها, و الذي كان اساساً سعيدا في الصحراء مع الماعز و كسرة الخبز و الزوجة الفلاحة البسيطة.
الرجل كان سعيد في حياته يتعبد حتى يذهب الى الجنة كما نعلم في صحراء قاحلة تبلغ حرارتها في احسن الاحوال ٥٥ درجة مئوية في الظل, تشوي العردان كما نحكي. عندما وصل سويسرا و كان ذلك في الصيف, يقول لى الدكتور لم يتكلم و انما كان يشاهد. دخل معهم البقالة فشاهد عشرات الاصناف من اللبن و العسل و من الخمور عشرات الانواع و غير ذلك, و عندما يكون في الشارع يرى عشرات الاصناف من النساء يطيرن عقل العابد الزاهد, و هن كما صورت له مخيلته على حور العين في الجنة, التي وعدنا الله بها. رأى الحدائق و الانهار و البحيرات. رأى كيف الناس سعداء. اما عن الاكل و الفواكه و الحلويات مالاعين رأت و لا اذن سمعت لاسيما و هو في فندق ٥ نجوم مع بوفيه فطور و غداء و عشاء .
المهم انتهت رحلة العلاج و اخذوه من دون ان يفيق "من الصدمة" مرة اخرى على ليبيا و ثم سرت و رجعوه الى الصحراء, و كأنه كان في حلم. لكن الراجل شرد عليهم بعدها. فكل من يأتي اليه يسأله كيف كانت بلاد الفرنجة. كان يرد عليهم بعبارة واحدة، القيامة قد قامت هم في الجنة و نحن في النار من دون ان ندرك لانه اقتنع فعلا أنه الان في النار في هذه الصحراء. و بواقع الامر لم يحيد كثيرا هو عن الصواب في توصيفه ان القيامة قامت، في نظر كثير من هم مثلي.
فمنذ خمسة قرون* قامت القيامة في الدنيا و حشر الناس على جانبي المضيق "جبل طارق" و قرئ كتاب الحضارة من اوله، ثم حصدت كل امة ما كسبت يداها و عقولها. فالشعوب التي وراء المضيق ذهبت الى جنان هذه الدنيا بالمعرفة و العمل و المحاسبة و العدالة تجري فيها مئات الانهار في اوروبا و كندا و اميركا الشمالية و الجنوبية و استراليا و شعوبنا المريضة وراء المضيق ذهبت الى جحيم الدنيا و مازالت فيه حتى الان، تبحث على تصنيفات و فرز مجتمعي مخجل. ذهب غيرنا يتعلم من كوارث الماضي و يتطلع للمستقبل و يتعايش مع بعضه ليستمتع بالحاضر و نحن نبحث على تبريرات تارة نناقش الغيبيات و الفرقة الناجية و تارة اخرى امراضنا الوراثية كا الطائفية و التخلف و النظام التربوي و الاقتصادي المنهار و التسلط و الفساد, التى اعاقنا عن اللحاق بركب الحضارة.
كيف نريد ان نكون بين البشر في هذه الالفية لاينافس فيها الا بالمعرفة و التنمية و نحن نتكلم عن انساب و اسر و ليس عن علم و اعمال و فضيلة, فهولاء احفاد معاوية و اخرون احفاد علي و هناك احفاد بلال و سلمان و عمار و هولاء دحابشة و هولاء مرتزقة و هولاء جعاربة وهات يا تصنيف مخجل برغم اننا نقول مسلمون سواسية. نريد امتيازات او معاملة خاصة كون جدنا و نسبنا فلان او علان بفرز عنصري بدل ما يذهب كل شخص عنصري مريض يشقي على بطنه مثل بقية البشر في وقت من طلع الفضاء, و من يغير البشر, و من صنع ماحولنا, و من ينتج تراث انساني و معرفي و حضاري و صناعي اشتغلوا على بطونهم و تعبوا, و اكثرهم حتى لا يعرفون من هو جدهم بالضبط و لا يهمهم ذلك و لن يزيد معرفتهم بذلك في قيمتهم او سعادتهم او غناهم او علمهم في المجتمع. ما الذي يهمني انا كمسلم او يهودي او مسيحي او كافر اخ لك في الوطن ان اعرف من هو جدك و انما يهمني عملك و علمك و اخلاقك فقط واقول فقط. مخجل ان نذكر في النهاية قوله "و كلهم اتيه يوم القيامة فردا", و التي تضمنت الشمول و المساواة لكل الجنس البشري في لفظ "كلهم" و الحالة التي سياتون بها, و هي الفردية و ليست الاسرية و الانساب. و رغم ذلك لازالت فينا جاهلية و لازال فينا من يقسم و يصنف و يدعي حق و امتياز بدل ان نطمح ان نكون اسرة واحدة لا يصنفنا الا العلم و العمل و الاخلاق.
لذلك تعيش شعوبنا عبث وصراع وتسلط قد يكون السبب الوحيد هو الخلل القديم الدائم, الذي تمثل في قيام القيامة وراء المضيق, فيدعي المواطن انه يؤمن بمبدأ المساواة لكنه ينظر لك انك جزار او مزين او من احفاد بلال او زنبيل او دحباشي و فوق ذلك يريد يبني دولة او امة و هو معول هدم. تعيش شعوبنا عبث بسبب الخلل القديم الدائم فتدعي الدولة انها تنشر العلم في كل مكان كالتعليم, و الذي ينتهي بالغش او بالجهل العملي اي بالفشل نفسه. تعيش شعوبنا عبث فتدعي الدولة انها ديمقراطية و تقاتل من اجل الشرعية و الدستور و الذي ينتهي بالاستفراط بالقرار و التسلط و استغلال الوظيفة لاهداف شخصية للابتزاز و ننتهي بالدكتاتورية بشكل اخر. تعيش شعوبنا عبث فتدعي الدولة ان تجعل السماء تمطر ذهبا قبل الانتخابات ايضاً, و لكن غياب الادارة الجماعية المتنويرة سوف يجعلك من باب الديمقراطية تسمع للقيادات الفاشلة و للغبي عك الكلام و تحاورهم، و يجعلك ترى الرعوي او العسكري يخطط الاقتصاد و المشاريع و تبدي تفهم لذلك, و ترى المتعلم يستجدي الاخرين راتبه, و المسؤول التاجر و هو يقود مشاريع التنمية, و لكن ليس للمجتمع, و يجعلك ترى المؤسسات تجعل المال يتجمع كله في خزانة رجل واحد او اسرة واحدة و انت تنظر. و لا اغالي ان قلت, ان تمتلك بالفعل منظومة زمنية للادارة الجماعية قادرا على حماية الاغلبية من التخلف ليس سهلاً في وجود مفهوم ان الوظيفة العامة غنيمة نسرق و نستغل ما يمكن فيها. ايضا الاعلام لم يرتقي لنبني مجتمع فهو لازال يسترزق و يستجدي السلطة على حساب المجتمع و ان شبع اتجه لصناعات اخفاق اخر كإن يضع العلم بين يدي عالم دين واحد ينطق دائما بصوت الهي, كمثل الذي قال ردا على كروية الارض "هل يدخل في عقولنا ان البيوت و الأشجار تتدلى من الناحية الاخرى, فكيف يستقيم الامر بذلك؟ او من قال كيف للارض ان تدور, اليس ذلك اجدر على الطائرة تتوقف في السماء الى ان تأتي الصين الينا ثم نهبط.؟، و انت تأكد له ذلك و تصفق. و تجعل في المحصلة المتعلم يجد تبريرات للوضع و لفشل هؤلاء و يطالب باعطائهم الفرصة تلوا الفرصة لان الظروف غير مهيئة او المرحلة انتقالية، و يكتفي من عملهم بشرف المحاولة و قصد النية.
و مختصر الموضوع اليوم و بسبب الخلل القديم الدائم, الذي تمثل في قيام القيامة وراء المضيق الناس لا يهمها من انت و من جدك و من اصلك, لا يهمها انفصال و لا وحدة ولا يهمها الا ان تعرف كيف تدفع قيمة الغاز او كيف تحصل على كهرباء؟ او كيف تعلم ابنائها؟ او كيف يمكن لهم ان يعيشون بسلام و محبة محافظين على كرامتهم؟ او كيف يتخلصون من الفساد و العمالة و الارتهان. الناس لا يهمها الا كيف نتخلص من العنصرية فينا ؟ الناس لايهمها الا كيف تكون أسرة ويجد عمل ليعيش دون قلق او كيف ندفع فاتورة الحساب للتلفون والانترنت و البقالة و الايجار وهم لا يجدون اعمال ولا مال؟ او اقلها كيف يجدون مهرب للجنة في اوروبا و ترك البلد لك كمناطقي او مذهبي او حزبي عنصري مريض لم تستطيع ان تتعايش مع احد.
و اخير شيوع الفرز المجتمعي و التصنيف و الصراع و الفقر و الجهل و الفساد و الغش و الامبالاة للزمن و الطائفية و انتشار ثقافة الأعذار و التبريرات و التسلط و الانانية و القتل و انتهاك كرامة الانسان في المجتمع ليس سببا في تخلف مجتمعا غارقا في متاهات الصراعات، بل ترجمة حرفية له. قد يكون السبب الوحيد هو الخلل القديم الدائم، الذي تمثل في قيام القيامة وراء المضيق منذ خمسة قرون و بموجب ذلك صرنا في الجحيم. و بالاخير يسألونك أين الحل؟
واقم الصلاة
______ ______ *انا قصدي بالخمسة قرون عملية الفصل التي حصلت وراء المضيق و المتمثل في سقوط غرناطة سنة 1492م في يد الملك فرنانديو و الملكة إيزابيلا، و اسقاطهم ممالك العرب الواحدة تلو الأخرى و طردهم الى وراء المضيق و انتهاء الحضارة العربية العلمية والفكرية و انتقالها الى الطرف الاخر. *منشور نشر من قبل