رواية الارض الطيبة ورحلة الى قصيعر --------------- الجزء الثالث : في خريف ١٩٧٥ كان الرئيس سالمين رحمه الله يزور محافظة حضرموت ، وهي الزيارة التي تمت فيها مراجعة شاملة لانتفاضات الفلاحين والصيادين في ضوء السياسات الاقتصادية الجديدة للدولة ، وتصحيح ما رافقها من تجاوزات ، والبدء ببناء نظام مؤسسي في مجال الزراعة والأسماك بالتعاون بين الحكومة واتحاد الفلاحين . سارت الأمور على هذا الصعيد بصعوبات نشأت عن حقيقة أن الانتفاضات انتجت معادلاً للملكية فيما يتعلق الارض الزراعية لا يتناسب مع حاجة الفلاحين يومذاك لصيغة من صيغ العمل التعاوني التي تبقي الملكية الفردية قائمة ، كما أن ما كان يقلق الدولة حينئذ هو تعويض النقص في المنتجين الزراعيين . فإبن الفلاح يدرس ويتعلم ثم يغادر الارض الزراعية بحثاً عن عمل إداري ، أو يغترب ، وبعضهم كان يحاصص مزارعين يأتون من أماكن نائية ومن غير أبناء المنطقة ، وعندما جاءت الانتفاضات تملك هؤلاء الأرض بموجب عقود أصدرتها التعاونيات الأمر الذي أدى الى توترات كبيرة . كانت الهجرة من الريف الى المدينة أو الاغتراب يهدد الإنتاج الزراعي ، ناهيك عن أن نظام التوريث المتبع يفتت الملكية الى حيازات صغيرة ، كثيرا ما كان العمل فيها يصبح مكلفاً وغير ذي فائدة فتهجر الارض . وكان تأسيس التعاونيات الانتاجية بتجميع الملكيات الخاصة الصغيرة إحدى الوسائل لضمان عدم إهمال الزراعة وهجرة الارض ، فالملكية الكبيرة تساعد على استخدام الالات وتحمل أعباء الانتاج والتسويق التي لا يستطيع عليها الفلاح . ولكن برزت نفس المشكلة وهي هل تحل المشكلة بتجميع ملكية الفلاحين فيما عرف بالتعاونيات الانتاجية وهي نموذج آخر للكلوخوز ، الذي تحدثنا عنه في الجزء الاول من المقال ، أم بالتعانيات التي تقدم الخدمة للفلاح مع بقاء الملكية الفردية ، وخاصة بعد أن حدد سقف الملكية في قطاع الزاعة وفقاً للقانون الزراعي . كان نقاش سالمين مع الفلاحين يتم بروح الثائر وخيال القائد الذي يحاول أن يمسك بتلابيب الدولة من كل ناحية ويحشد عناصرها ، وكان مغرماً بالزراعة . لكن الملكية الفردية في قطاع الزاعة ونمط الانتاج التعاوني ظلت واحدة من الإشكالات التي سيتوقف الباحثون أمامها كثيراً . وبالعودة الى الجدل الواسع الذي خاضه الحزب بعد انتفاضات الفلاحين والذي دشنه الامين العام للحزب يومذاك عبد الفتاح اسماعيل رحمه الله بمحاضرة في مقر اللجنة المركزية فإنه يمكن القول انه قد أسفر عن إصلاحات كبيرة في اعادة بناء وتنظيم علاقات الانتاج في محاولة لفهم التأثير القوي لقوى الانتاج على ذلك ، خاصة وإن نمو قوى الانتاج كان يتم ببطء شديد بسبب الوضع الاقتصادي الصعب . في هذه الزيارة لحضرموت حينذاك كان يشغل سالمين موضوع الصيادين على طول الشريط الساحلي وتجمعاتهم الممتدة من السقية ورأس العارة وخور العميرة وفقم وعمران وشقرة مرورا بأحور وبئر علي والمكلى والشحر وقصيعر حتى سيحوت ونشطون والغيظة .