كيف أنجو بعقلي!!!

فكرية شحرة
الجمعة ، ٠٢ اكتوبر ٢٠٢٠ الساعة ٠٨:٥٨ مساءً
مشاركة

عندما قرأت مرة ، عن طريق الصدفة ، عن الحشاشين في قلعة الموت ، وما كان يفعله حسن الصباح لتغييب عقول أتباعه ، كنت أظنها مبالغة تاريخية ! لكنني عشت أياما تشبه تلك الأيام ؛ منذ التحقت بجيش السيد ، الذي يبدو لي الآن صورة مهزوزة من الحسن الصباح ذاتها لن أحكي لك كيف التحقت ب " أنصار الله " واللجان الشعبية ، فأنا لا أدري كيف تدرج الأمر حتى وجدت نفسي في ساحة القتال بين الرصاص والغبار والموت الذي ينسكب انسكاب المطر على تخوم مأرب .

كانت البداية دورة تثقيفية ، أو تدريبية ، لم أحفل كثيرا بالتسمية يومها ، لأنني كنت أجد نفسي قارئا ومثقفا ، لكنها كانت مفروضة على المدرسين في مدارس منطقتنا .

كما أن المبالغ التي ترصد لمن يذهب ، كانت بديلة عن مرتباتنا المستحقة ، وأنا مثل كل اليمنيين تضطرنا الحاجة والفقر بقبول أي عمل من أجل لقمة العيش ؟ كما أن المعلم الذي يرفض الذهاب معهم ، و لأي حجة كانت توضع حوله ألف دائرة شك وتحييد ، ويعامل معاملة العدو ! لذا ذهبت بكل رضا كي أوفر على نفسي أية مضايقات مستقبلية .

ذهبت وأنا على قناعة أن لا شيء غير منطقي سيؤثر على عقلي .

رغم أن أسلوب الذهاب أثار مخاوفي : البدرومات المكتومة التي تقام فيها الدورات ، وتلك الحالة من الكتمان ، والتشديد ، ومنع الخروج حتى تنتهي أيام الدورة .

ومرت أيام الدورة المغلقة بحماسة لم أتوقعها .. كانت تلقى علينا دروس مكثفة من ملازم حسين بدرا الدين الحوثي ، ومحاضرات كلها تتحدث عن الجهاد وعظمة هذا الدين ، بالإضافة لخطب ومحاضرات عبدالملك الحوثي . ولولا فكرة تكفير الآخرين التي لم تعجبني ، إلا أنها كانت محاضرات تبعث العزة ووجوب قتال العدوان .

وجدت نفسي مندفعا للجهاد والقتال من أجل اليمن ، فأنا رافض لتدخل المملكة وما تفعله في بلدي . خلال أشهر في معسكرات أنصار الله ، وجدت أن الدفاع عن البلاد كان عبر العقول المخدرة ! المخدر الذي تتجنبه بكامل قواك العقلية ، لمعرفة أخطاره ، يصبح في معسكرات الحوثي صرفا عسكريا ، الزم استخدامه بأوامر عسكرية ! فقط من أجل سلب إرادتك ، وإنعاش معنوياتك في مواجهة الحرب ، بحجة أنها حبوب تمنع الخوف أو النزيف عند إصابة أحد ؟

المخدرات تغزو شباب اليمن على أيدي الحوثيين .

هذا أصبح أمرا معروفا للكثيرين ، لكن الكثيرين أيضا ينبذونها لمعرفة خطرها ، وأنا منهم .

المخدرات طريقة الحاكم الظالم ليسلبك حقوقك وحياتك وأنت تضحك في وجهه منتشيا ، وتهتف أيضا بالروح بالدم نفديك يا سیدي .

طريقة قديمة ومتداولة في أقطار كثيرة ، لهذا بدأت تنتشر في مناطق الحوثيين من أجل سلب الشباب عقولهم ! " الشمة " أو " البردقان " ، الذي يصل من إيران ، تشبه " الشمة " المعروفة ، لكنني متأكد أنها مخلوطة بمواد مخدرة ، أو حشيشة ، وهي توزع علينا بانتظام في المعسكرات ، فأي جيش هذا الذي يعيش خارج الواقع طوال يومه ؟! هذه " الشمة " ، نوع من السحر الأسود ، يمارس على عقل من يعاقرها ، وتفقده إرادته .. لهذا ينصاع أفراد اللجان الشعبية ) للموت بكل استبسال ، دون محاولة التفكير بصواب ما يفعلون ؟

البعض رأيتهم بعيني يقومون بأداء أعمال خارقة في المعارك دون أدنى شعور طبيعي بما يفعلون ؟

لقد كنت أتظاهر أني أتناول ما يعطونني لكنني أتلفها كل مرة .. لا أعتقد أن هناك فرقا كبيرا بين ما يقال لنا في الدورات التثقيفية من فكر مشحون بالطائفية وتكفيرالآخرين ، ، وبين هذه المخدرات التي توزع علينا ونحن مقبلون على المعارك .

حينها ، قررت أن أنجو ، ليس بنفسي وجسدي ، بل بعقلي ؛ أنجو بعقلي من كل هذا ! إن أصعب الأمور هنا : أن تعود من المعارك على قيد الحياة ؛ يجب أن تعود شهيدا كي يرضوا عنك ؟

ما عرفته وأيقنت به أن الحوثيين لا يتركون أحدا كي يعود حیا نابذة فكرهم ومناصرتهم ، فهم يسلطون أسلحتهم إلى عقلك قبل جسمك ! دوراتهم ( التثقيفية ) ، تمهید بسيط لدخول المخدرات بكافة أصنافها الغريبة ، إلى رأسك ، فكيف ستنفذ منهم ، وتعود لممارسة حياتك وفقرك وتعلن فشلهم عليك ؟؟

لا أدري كيف أعود إلى منطقتي وفقري ، بكامل وعيي وكامل جسدي ! فالموت على أبواب مأرب دفن الكثير .. إننا نموت بلا معنى ، أو عقول .. ! كالقطعان يسوقون الشباب ، وصغار السن ، إلى الموت دون أي ضمير ؟