الدقيق وحكايتي مع أم الحسين !

محمد صايل مقط
الجمعة ، ١١ ديسمبر ٢٠٢٠ الساعة ٠١:٥٢ صباحاً
مشاركة

قبل أيام فارطات خلص علينا الدقيق واشتريت قطمه دقيق من متجر الاخ عبدالله الياسري بمبلغ تسعه آلاف وثمان مئة ريال ..

مع إيجار الجاري باتت قيمتها بعشرة الآف ريال ..وحالما آويت إلى الدار خلطتها بما يعادل وزنها مرتين من بر منظمة كير المنتهية صلاحيته.

ثم بعدها انزويت ياأم الحسين وسررت لها بسر واوصيتها بعدم افشاوة ..حيث اتفقنا أنا وأم الحسين ان تطبخ أو تأمر بمن كان يومها أن تطبخ لمن كان جيعان ويرغب في الطعام هكذا.

طبعا انا لا احكي بقصد الشفقة لا والله العظيم ولكني احكي حالي وحال الكثيير من امثالي… وربما يكون حالي افضل من حال الكثيرين ولله الحمد ..فبعض الاسر والعوائل ونتيجة لإرتفاع الاسعار وهبوط ريالنا اليمني والذي لازال يحتظر في العناية المركزة وقد يعلن موته ورحيله مع الأيام القادمة أقصاها اسبوع.

ومن جراؤه هاتفني صديقي الجميل محمد علي قيس وكيل شركة الكريمي لمديرية مودية ونواحيها ..حيث افشأ لي بسر من خلال رساله هزتني وآثرتني ..حين قال في احد الليالي اتاني شخص عليه من الوقار والهيبة مايجعلك تستحي من صورته وقد جعلني ارتاب في أمره حيث قلت في نفسي ..هل قلت في نفسي طبعا الحديث لمحمد قيس يقول ظننت ان الرجل اتا من اجل وديعة ماليه أو بقصد التدخل لدى الاولاد لسحب حواله ماليه.

لكن ظنوني تبددت وحالت دون ذلك ..حين سحبني الرجل جانبا وفي جنح الليل وقالي اشتي اثنين كيلو دقيق لما استلم الراتب فلنا يومين بدون عشاء.

ويقول بن قيس شعرت بأن الدنيا دارت بي أي والله العظيم ..وقلت في نفسي إلى هذا الحالة المزرية توصلت ظروف الناس يباتون طاوين دون طعام او شراب.

اعود لحديثي واتفاقي مع أم الحسين والذي ابرمناه بعدم طباخة عشاء للجميع إلا لمن كان جائع حتى نضمن عدم بواقي لطعام.

وقبل يومين وانا عائدا بعد صلاة الصبح من مسجد الانصار ..وحينما شرعت في إيقاظ الأسرة لصلاة الصبح ..لمحت صحن الطعام ممتلي بالخبز وفيه مايزيد عن عشرة اقراص من الخبز.

أخذت الصحن وذهبت الى مخدع ونوم أم الحسين فأيقظتها ودفعت لها بالصحن ومايحتويه وشتمتها بكلمات جارحه ونابيه فيها مايخجل الحياء والحشمه فلم ترد علي ووضعت رأسها على ركبتيها .

رجعت إلى غرفتي وكلي حنق وغيض ..ليس على التبذير بل على مابدر مني تجاه أم الحسين الطيبة.

ثم بعدها حنقت على نفسي وسافرت القرية واوصيت ابنتي العجماء بخدمة أمي العجوز لحالما اعود.

وبلغة الإشارة تفهامنا انا وابنتي وسلم ولو حتى بكف الإشارة يامن على قلبي وليت الاماره.

وصلت القرية وانا نادم على نفسي ...ووقفت أمام الديار وانا اتحسس الجدران وأتذكر أم الحسين واردد ماقاله ابن الملوح قيس…

امر على الديار ديار ليلى

اقبل ذا الجدار وذا الجدار

وماحب الديار شغفن قلبي .

ولكن حب من سكن الديار ..

تأملت لمسات أم الحسين مرابض الأغنام وحضائر الدجان ..ومواقد النيران فتذكرت صعاليك العرب كيف كان يثيرهم مواقد النيران والخيمه ومضارب الوتد فينظمون في ذلك خوالد الاشعار  ..من يوم وقف شيخهم امرؤ القيس بكى واستبكى ومايبكي إلا لفقدان حبيب افتقده  ...

وانا ابكي لخصامي ومزاعلتي لأم الحسين ..كنت أتمنى في قراره نفسي أن تراضيني أم الحسين ..ثم رن هاتفي وإذا بالمتصل آخر من توقعته فجئني صوت أم الحسين ..وهي تقول وينك ياحماده البيت بدونك ادراء ..ثم أعقبته بصوتها والذي لايضاهيه جمالا لتحيي في نفسي ذكريات حينما كنا نتخاصم وتغني لي وبصوت امل كعدل تغني أم الحسين وتقول عود لي بابوس بابوس ايدك ..الا ليه وهاجري ليه ليه تهجرني جرا ايه.

بعدها مالبثت إلا وانهمرت من عيناي الدموع ..فحزمت امتعتي راجعا لأم الحسين وامتطيت سيارتي زوبه وانا القي نظرة الوداع على ملاعب واماكن الجلوس والمراعي اكحل عيني بمناظر البقاع واستنشق الضومران والبشام ..ومن وحات البادية والجبال السود هذا محدثكم البدوي ابا اسوان.