من الشائع في الفلكلور السياسي اليمني أن النخب السياسية تتفق فيما بينها في العادة على تقاسم كراسي الوزارة يحدوها أسس عدة، ثم تذهب للتقاسم الإداري في سلالم هيكلية الوزارات الموزعة بين الأطراف، ثم يليه التوجه إلى المصادر الإيرادية والتي يتسابق الكل عليها من قبل التوزيع، للتقاسم وجني ثمار الصراع طيلة فترات التفاوض والاختلاف. يتم كل ذلك بمعزلٍ عن حضور الهم الوطني وهموم المواطن واحتياجاته وخدماته، فضلاً عن حالة الحرب الدامية التي تمر بها البلد. وفي متاهةٍ فكرية يستمرون في اللاوعي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي ويستمرون في التمترس كلاً وراء زمرته وحزبه ومنطقته وعرقه! نثور، نتصارع، نتفق، ثم نقتتل نتفكك وننسف كل ما تحقق في ماضينا على كل الصُعد، ونستمر في تلك الدائرة الخلافية التي تقوقعت داخلها أنظمة الحكم تحديداً بعد الثورات الكبرى أيلول واكتوبر. لا دروس تُتخذ ولا تجارب يسترشد بها ولا مراكز أبحاث توظف للدراسات التكتيكية والاستراتيجية ولا خبراء في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية يؤخذ برأيهم. تصر النخب الحاكمة على ثلاثي الفشل، الفوضى الادارية والغياب الوطني، والتخبط السياسي منهجاً للحكم عندما بدأ الحمدي في نسج خيوط الدولة وتصحيح الجيش وتقريب الكوادر وإبعاد الفاسدين وصانعي الفوضى، حُورب من النخب الفاسدة، حتى اغتيل من قبل أوكار التخلف والفوضى، من قبل أعداء بناء الدولة والنظام والقانون، كل ذلك لأنه كان يحمل مشرع بناء دولة شهد به ألد خصومة عبدالله بن حسين الأحمر في مذكرات حياته. حاول سالمين العمل بالتوازي مع الحمدي لإحداث تغيراً عبر تبني سياسة الإنفتاح وحرية السوق والتقارب مع شخصيات عربية وأجنبية لإحداث نقله نوعية اقتصادية وسياسية وكسر جدار العزلة التي فرضت على البلد من قبل المعسكر الاشتراكي الشرقي غير أنه ومشروعه اغتيلا بدم بارد ودون حساب من النخبة المعادية لشخصه وللمشروع الذي كان يحمله. أتذكر الدكتور فرج بن غانم الذي شغل منصب رئيس الوزراء في عهد صالح ، إلا أنه استقال بعد شهر ونصف وذلك لأن طلبه بتحديد ميزانية تشغيلية مناسبة لحكومته ليتمكن من العمل وإدارة النفقات وإعداد الخطط والمشاريع قوبل بالرفض ولم يستجاب الطلب من قبل النخبة الحاكمة، حاول معهم بأن خذوا ما شئتم واتركوا لي رقم معين أشتغل به ومن خلاله، الأمر الذي اضطره للتنحي لأنه كان رجل يحترم ذاته والتاريخ رد له الإعتبار وصنع له اسماً ناصعاً في صفاحته حياً وبعد مماته. و ها نحن نشهد اليوم تكراراً لسيناريو تقاسم النخب المألوف وكتصالحات الماضي المنقوصة والمفرغة من هموم المواطن توزعت الوزارات على أسس حزبية وجهوية بلا رؤية ولا خطط لكل وزارة ولم يُلزم المرشحين لشغل تلك المناصب الوزارية على تقديم رؤى مستقبلة ولم يتم مراجعة وتقييم الوزراء القدماء الجدد، الذين شغلوا مناصب وزارية في حكومات سابقة، لم يسألوا ما الذي انجزوه في ماضي سنين ولايتهم؟إين انجزوا؟ واين اخفقوا؟ وما هي خططهم؟!! دعوني اتسأل… هل لدى الحكومة الجديدة خطة واضحة لتحرير الوطن من الانقلاب واستعادة الدولة والجمهورية؟ وهل لديها توقُع لحدوث إخفاقات ما، وهل وضعت خطط طارئة وبديلة لمواجهة أي اخفاق؟ هل تملك الحكومة إجابات لتساؤلات المواطنين الرافضين اذا ما خرجوا للشارع للتعبير عن آرائهم ومطالبهم؟ رحم الله فيلسوف الشعر البردوني حيث قال.. “وما يزال بحلقي ألف مبكية…. من رهبة البوح تستحيي وتضطرب”