لم تأت فكرة الأقيال بمحض الصدفة تحت غمرةٍ عاطفية ليس لها محركات وطنية حقيقية، بل جاءت انتصاراً لليمني الحميري السبأي، الذي حاولت الحركات الظلامية وجنودها إطفاء الذات وطمس الهوية اليمنية بشتى الطرق. ولكي لا يمسك أصحاب الدعوات القزمية الطائفية والمذهبية والسلالية بدفة القيادة السياسية والتاريخية والاجتماعية للشعب الذي نبتت في روحة الحضارة اليمنية كما تنبت الشجرة في صم الصخور، وسرت مقوماتها الحضارية في أجيالها كما تجري الجينات البشرية في بني البشر جيلاً سبقته أمم وجيلاً أعقبته أجيال. جاءت فكرت الأقيال فتيِّةً كشبابها الواعد الذي حملها روحاً وجسداً لحماية هُويته من السحق الممنهج ولفكرتها من المحو العنيف، حفاظاً على الأجيال اليمنية، التي طالها التشويه الفكري المقصود، لإفراغها من محتواها الوطني وقطع العَصَبْ التي تشد انتماءه للأمة والأرض التي كانت قدر الله أن يعيش عليها الشعب اليمني ويحميها وينتصر لقضاياها، كما كانت السماء قدراً للملائكة يعيشون ويتعبدون الله فيها. بمقابل من يعملون على إبراز الهوية الايمانية التي هي أصيلة في الشعب اليمني من قبل الإسلام ولا تحتاج إلى إبراز، وإقامة الندوات والفعاليات لها لتحل محل الهوية الوطنية والقومية وما ذاك إلا لاستفراغ العقول من هويتهم وقطعهم عن جذورهم التاريخية والحضارية، وحتى لا يكون الولاء وبوادر التضحيات في سبيل الأمة اليمنية وحماية أرضها وسيادتها والدفاع عنها بوجه الغاصبين والمعتدين من أي نوع. المستغرب الذي لا يجد له ذو العقل تفسير، هو أنها تواجه بالعداء تارة وبالتشويه أخرى من بعض أصحاب الأرض ذواتهم، وهي جاءت محاكات لأرواحهم من إخوةً لهم شعروا بالضيم الاجتماعي والظلم السياسي ولمواجهة عدوهم التاريخي المشترك ومكنته وآلاته الإعلامية المدمرة وفكره الظلامي شديد الخطورة على هوية اليمني إنساناً تاريخاً وأرض، الأمة اليمنية تمتلك الحق المطلق كأي أمة من الأمم كرست جهودها للمحافظة على معالم وجهها التاريخي وقوامها الوطني ثقافةً عادات وتقاليد فناً معمارياً وفلكلوراً شعبياً زياً طرباً شعراً رسماً قصيدةً لحناً وغناء. تعرض اليمن للتجريف الجاهل من قبل الجهلاء من أبنائه وأعدائه وبيعت آثاره وصور رموزه بالجملة والآحاد، وسُرقت نقوشه ومخطوطاته وغادرت اليمن لتسكن متاحف الشعوب الأخرى، ولعل سكناها والحفاظ عليها هناك جاء رحمة إلهية بها لأنها لو وقعت في أيدي الأعداء الحاقدين في الداخل لأحرقت ودفنت، دون النظر إلى الفائدة المادية من بيعها، كي تمحو معالم الذاكرة اليمنية من على الأرض والعقل والوجدان، ولكي تصبح أقصى طموحات اليمني هي حمل السلاح مع عصابات الحرب الطائفية لتحصيل على لقمة العيش والعمل كأجير في مزرعةٍ لأجنبي يناله كد الشقاء ولا يتذوق حلو الثمار أو ظلال الشجر الوارفة التي سقيت بعرق جبينه وحرست بسواعده الفتية. وتلك هي قصة الأقيال التي ما انفكت تمخر في عباب المجتمع اليمني وتركب موجاته المتلاطمة، وتصرخ في وجوه العابثين، كفى توقفوا عبثاً وقتلاً بأمتنا وتشريداً لأجيالنا ودفعت بالأحرار منها إلى كل جبهات الجمهورية، العسكرية، والعلمية، والأكاديمية، والثقافية، الداعمة للدولة اليمنية وتحقيقاً لرغبات الجماهير العريضة التي ضحت عبر تاريخها في كل الحركات الوطنية والتحررية رفضاً للظلم وانتصاراً للحق ومنعاً للانحناء. ذلك كله في حالة السلم الطبيعية أما وقد انفجرت جائحة الحرب المدمرة وطالت كل بيت بالحزن، وكل قلبٍ بالأسى، وظهرت على إثرها كل مستبطنات التولي والفيد والنهب، بات الأمر أدعى إلى حركة فكرية توعوية نضالية شابة كحركة الأقيال متجردة عن حمولات الماضي السياسية المملوءة بالخصومات المثقلة بالأحقاد من الكل ضد الكل على جغرافية اليمن، ولتلملم شتاتها وتحيي روح الوطن وتغرس أشجار الهوية والذات الوطنية في أعماق كل يمني من جديد بعد السقم والعلل والتفكك جراء الصراعات والعنف والاطماع بوجوهها وأشكالها المختلفة، ولابد لها من السير قدماً دون توقف ولابد لها من الدعم الواعي من كل يمني حريصاً على بقاء ذاته محفوظة، وهويته محمية، مصانة من التلاشي والغياب.