الموعد بيننا بعد الخير

د/ياسين سعيد نعمان
الأحد ، ٣١ يناير ٢٠٢١ الساعة ٠١:٠٩ صباحاً
مشاركة

كانت بلاد  الصبيحي التي تمتد من كرش شرقاً حتى باب المندب غرباً تتبع السلطنة العبدلية بلحج . وكانت مقسمة إدارياً إلى مراكز ثلاثة هي كرش ، طور الباحة ، والشط . غير أن مركز طور الباحة كان الادارة الرئيسية التي يطلق عليها الأهالي "الحكومة"، وفيها نائب للسلطان ، يعد السلطة العلياء ويد السلطان من حيث اختصاصاته وصلاحياته ، إضافة الى وجود المحكمة الزراعية والمحكمة الشرعية ، ناهيك عن السوق الاسبوعي " يوم السبت" الذي يشكل جامعاً لكل قبائل الصبيحة .

لم يحدث أن زار أي من سلاطين لحج بلاد الصبيحي .. وكان السلطان يخصص يوماً في السنة لاستقبال عقال ووجهاء ومشايخ الصبيحة ، فيأتي أي منهم الى الحوطة ،حيث المبنى الرئيسي للسلطنة ويسمى " مجلس المديرين " ، وذلك في عهد السلطان فضل ابن علي آخر سلاطين لحج ، ويقدم رسالته التي يؤكد فيها وصوله لزيارة السلطان الى مدير مكتبه . ثم ينتظر الاذن له بالدخول أو تحديد موعد . 

كان مدير المكتب يتفنن في تعذيب القادمين لزيارة السلطان ، وكان الشيخ علي محمد العطري (روح بلاد الصبيحي) من الذين لا يقبلون هذا الوضع . انتظر ذات مرة المقابلة ، وبعد مرور أيام جاء إلى مكتب المدير وترك له رسالة عند الفراش ، وركب القعود وغادر الحوطة عائدا الى منطقته .  من دون أن يقرأ مدير المكتب الرسالة قدمها مع جملة الرسائل إلى السلطان ، فقرأها السلطان وفيها :

وا مصطفى خطي وين وديته

خطي ، أمانة .. كرهت أو حبيت

إن كان قصدك على الطمع قل لي 

جيب امحوالة وشل ما شليت .

استدعى السلطان مدير مكتبه مصطفى وطلب منه أن يبحث عن الشيخ العطري ويدخله فوراً ، لكن العطري كان قد رحل . أبرقوا إلى نائب السلطان في طور الباحة يومذاك "عبد المنتصر " أن يرسل في طلبه ويبعثه إلى لحج فوراً.

احتار النائب في هذا الطلب ، ولم يستطع أن يفسره عما اذا كان طلب "أمان" أم طلب "غرم" . فإذا كان طلب أمان يكون الرسول إلى المطلوب بمثابة (نابي) ، وغير مسلح ، أما إذا كان طلب غرم فلا بد أن يكون الرسول مسلح .  ولمنزلة الشيخ علي محمد العطري قرر نائب السلطان ، وتحت مسئوليته ، ان يكون الطلب طلب أمان ، فجاء الرسول بالطلب ، وركب الشيخ العطري قعوده متوجها صوب طور الباحة . وبينما كان الرسول يسير على قدميه كان  هو ممتطياً قعوده ( البحري) . 

توقف الشيخ العطري فجأة ، وأناخ القعود وترجل من عليه .. ثم التفت نحو الرسول وقال :

أمرعوي راكبو والحكومة تسيرو ، والله ما سبرت !! 

ثم قال للرسول اركب ، وأمسك بخطام القعود يقوده حتى وصل إلى طور الباحة . وعندما قال له النائب ان السلطان يطلبك ، رد عليه : قل للسلطان البلاد ممطورو ، وسقيو ، والبوش في نفاخة شاردو من المطر . والموعد  بيننا بعد الخير .