١-يحدث أن تتعثر أمة بخيبات كثيرة في مسيرتها وتسقط .. فتستنجد بما تبقى لديها من قيم “الجمال” ، تستنفر بها إرادتها لتعاود النهوض ، فتنهض .
٢-على عكس ذلك هناك أمم تتعثر في ما وفرته لها الحياة من “جمال” . وهي أمم تعيسة مرتين ، مرة لأنها لا تعمل غير أنها تحول ذلك القدر من ” الجمال” إلى إشكالية تتوالد في جوفها محفزات الصراع الذي يفضي إلى الحروب ..
ومرة حينما تسقط لاتجد ما تقاوم به السقوط ، فقد أخذ “القبح” يلتهم كل ما تبقى لديها من إرادة لمعاودة النهوض .
٣-في مسيرتها الحديثة ، يمكن القول أن اليمن من الأمم التي تعثرت في كل شيء جميل حدث في مسيرتها : تعثرت في القيم الجميلة التي جاءت بها الثورات ، وهي من المحطات التاريخية التي بعثت بهاءً وجمالاً في مكوناتها البنيوية الثقافية والسياسية والاجتماعية عامة ، والتي كان من الممكن أن تشكل رافعة نهوض شامل . وتعثرت في قيم التسامح والسلام التي رافقت الوحدة باعتبارها اكثر قيم “الجمال” تعويضاً لما أصاب اليمن من جراح ، وتصحيحاً تاريخياً جذاباً لمسار الثورات . وتعثرت في العقد الاجتماعي لبناء دولة المواطنة الذي تخلق من انتفاضة التغيير السلمي والحوار الوطني ، وكانتا المحطة التي أعادت تسليط الضوء على قيم الجمال المقموعة بعد أن تعرضت لخذلان نظام الحكم ، وبقيت مطمورة في ضمير المجتمع ، متمسكة بأصالة دور الشعب في إعادة انتاجها واستعادة الوعي بقيمتها في النهوض الوطني .
٤-ويبقى السؤال ، لماذا ظل اليمن يتعثر في كل ما هو جميل في مسيرته ؟
يكمن الجواب من وجهة نظري في حقيقتين :
-الأولى :
هي أن الثورات ومحطات التغيير كانت تكتفي بخلق جيوب مشتتة ، غير مترابطة ، للنهوض ، لا تشكل كياناً متماسكا يستطيع أن يكون بمثابة رافعة قوية لنهوض وطني شامل ، أو يمنع تسلل القديم من خلال الشروخ التي تملأ ذلك الكيان . وعند مستوى معين من الاختراقات ، تتم مصالحات مع القديم تضعف حوافز التغيير ، فينقض هذا القديم بكل ما أوتي من خبرة وجسارة ولؤم ليعيد ترتيب الوضع لصالحه .
-الثانية :
هي أن النهوض كعملية سياسية – إجتماعية – معرفية شاملة ظلت عملية نخبوية لا يشارك فيها الشعب بارادته الحرة ، وإن تمت أحياناً ، فبتوجيهات تعسفية تنتقص من حقه في التفكير والرأي ، والاعتراض ، والنقد ، واختيار الحاكم .
٥-ومع كل تعثر ، كان يستنجد بما تبقى من مخزون “قيم الجمال” المحفوظة في ضمير المجتمع ، والتي كان يجري استحضارها وتحفيزها كلما برزت الحاجة الى مغادرة مأزق السقوط بواسطة نخب سياسية وعسكرية وشعبية ، وأحياناً حاكمة .
٥-لا شك أن القوى التي ظلت تقاوم النهوض ، وتمنع مغادرة مأزق السقوط قد أدركت حقيقة أن مخزون قيم “الجمال” في ضمير المجتمع سيظل محرك النهوض الاساسي الذي سيؤسس قواعد مواجهة هذا الوضع البائس ، الذي تخلق منذ أن انقض الارهاب الحوثي على مشروع بناء الدولة وعطل مسيرته ، ولذلك فإنها ستعمل على تجريف هذا المخزون البسيط من قيم “الجمال” وتصفيته ، وتجريد المجتمع منه حتى لا يتمكن من إعادة بناء شروط النهوض من جديد .
٦-اليوم ، هذا هم الجانب الآخر من المعركة ، وهو الجانب الذي تتوالد فيه شروط النصر أو عوامل الهزيمة .
وإلا :
ألا فاعلموا أن مصيراً رهيباً ينتظر كل من يحلم بالفضيلة أو يحملها في هذا الزمن الذي تستباح فيه قيم الجمال .