ثوار بلا وطن!

فتحي بن لزرق
السبت ، ١٣ فبراير ٢٠٢١ الساعة ٠١:٠٢ صباحاً
مشاركة

الاهداء : الى المرأة اليمنية التي ظهرت ذات يوم وقالت :" لا تخذلونا وخذلها الجميع..

في ذكرى ما يسمى بثورة فبراير اليمنية ما الذي يمكن لليمنيين تذكره من ما تبقى من هذه الثورة؟ وإذا قدر لك أن تكتب بعد 10 سنوات من الضياع ما الذي ستكتبه؟

قررت أن أكتب هذا العام عن هذا الحدث لكنني عجزت من أين أبدأ وبماذا استهل؟، حينما يصبح الوطن بقايا ويصبح الثوار سائحين في رغد العالم ويصبح التنقل بين مدينة يمنية وأخرى أُمنية بالنسبة لمواطن بسيط، تصبح الكتابة عن الأحداث معجزة !.

والحدث الذي تباع فيه الشعارات على الأرصفة والهتافات تنزع من حناجر الآلاف من الناس دونما معنى ولا دراية يكون حدثا كارثيا.

والوطن الذي يقوده "الغوغاء" يتوقف الجميع في القاع لكي يصارعون لأجل البقاء فيما يكون الغوغاء قد غادروا.

وفي اليمن قطار انحرف مساره واختطف مسيره ثلة من الغوغاء تقافزوا بعيدا ليرتطم قطار الوطن بالقاع.

يمر شريط الذكريات مسرعا.. شعار صغير على طرف شاشة تلفزيون اليمن يقول: حافظوا على اليمن.

 هتافات صاخبة في ساحة التغيير كلما زدنا شهيدا يا علي اهتز عرشك.

والحقيقة أن عرش صالح لم يكن يهتز وحده، كانت اليمن كلها تهتز ، الدولة بمؤسساتها ونظمها وقوانينها ومشاريعها وطرقاتها تهتز ، كيان هذه البلاد يتداعى..!

وفي ذكرى ما يسمى بثورة 2011 يعجز اللسان وتطادر الأفكار الأحرف تستنجد بها للحديث عن حدث أدمى الجميع وفرق الشمل المجتمع وجعل القريب بعيدا والبعيد جدا قريبا ولكنها تعجز..!

في ذكرى هذه النكبة يحق لكل اليمنيين أن يعترفوا بأنها لم تكن ثورة بل كانت "خطيئة" سيتذكرها اليمنيون كل عام بحسرة ، اللحظة التي حمل فيها بعض اليمنيين معاول الهدم للدولة لكيانها، لحضورها، لمرتباتها .

اللحظة التي طرق فيها بعض اليمنيين أبواب بيوتهم الآمنة وحطموا أقفالها وشكوا خوفا واللحظة التي سكب فيها اليمنيون شعيرهم وبرهم على قارعة الطريق وشكوا جوعا، واللحظة التي قتلوا فيها جندي بلادهم فشكوا هوانا وذلا واستعبادا أجنبيا.

هذا الصباح استمعتُ إلى المرأة اليمنية التي خاطبت صالح قبل 10 سنوات من اليوم في اجتماع لقيادات مؤتمرية قائلة: "لا تخذلنا، نرجوك ألا تخضع ولا تبيع البلاد"..

كانت الكلمات صادقة والنداء عظيما، ولكن القوم في غي أعظم ، أُعميت  الأبصار وضلت القلوب..

قالت المرأة كل ما نعيشه اليوم حرفا حرفا، واقعة تلو أخرى..!

كان صالح قادرا أن يخوض حربا بلا نهاية مع كل هؤلاء مثلما يفعل قادة اليوم الذين تنازعوا البلاد وقسموها .

وليته فعل..!

وقبل أيام سألت نفسي: في ذكرى  ثورة 11 فبراير.. ما الذي ستكتبته توكل كرمان وما الذي ستقوله للناس من مخدعها الوثير في أسطنبول؟!

أي أحرف ستستعير وأي كلمات ستكتب وأي قولا فصل ستقول؟!

قالت: "لن تجوعوا بعد اليوم" وهذه كلمة حق فالناس قد ماتت من الجوع..!

"ولن تخافوا" وهذه كلمة أحق، فالناس تساوت لديهم مظاهر الخوف والأمان.

وتوعدت أن ثورتها مستمرة ، لكن أين الوطن الذي يمكن لنا أن نثور بداخله؟!

أن يتحدث الثوار عن الحرية فلا ضير، عن الكرامة لا مانع، لكن أن يتحدث الثائر عن الوطن من خارجه، وعن الفقر من وسط الرغد، وعن الحرية وسياط العبودية تجلد الجميع.. فهنا مكمن الغرابة والاستغراب..!

و"كرمان" تحدث الناس عن الوطن الذي لا تعرفه منذ 10 سنوات، عن المعاناة التي لم تعرف لها طريقا منذ عقود..

وعن الدولة والمؤسسات واقتحامها وإسقاطها، وكانت أول من سن سنتها.

وحقيقة الأمر إننا مع كل خطاب كهذا سنتذكر أشياء كثيرة افتقدناها في حياتنا.

الطريق التي أغلقت، والبنك الذي أفلس، والجيش الذي تدمر، والرواتب التي قُطعت، والوطن الذي تشظى..

ستتحدث توكل كل عام عن الوطن والثورة.. وعلى شعب اليمن أن يهتف وأن يصدق هؤلاء..

والحقيقة أن على هؤلاء الاعتذار أولا، والاعتذار ليس صعبا.

والاعتذار اليوم والعودة إلى داخل البلاد والسعي لإصلاح ما أفسدته أياديهم.

عودوا.. فلا ثورة من خارجها، ولا نضال من القصور والفلل الفارهة.. أما اليمن فستنهض اليوم أو غدا..

{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}