خلفت الحرب شقوقا وكدمات كبيرة في جدار المجتمع وأحالت الحياة إلى كومة من العنف والغلظة لن تزول بسهولة، وستكون بحاجة لسنوات طوال لمحو آثارها.
لم تعد المدن هي المدن التي كنا نعرفها قبل الحرب، لقد صار العنف في كل مكان في صورة أطقم عسكرية ومدرعات تجوب الشوارع والأزقة والسواحل، حتى الجندي وهو يرتدي بدلته العسكرية ويتجول في الشوارع يرسل رسائل لا تخلو من القسوة والشدة للمارة.
عسكرة الحياة المدنية انعكاس لواقع الحرب التي تدخل عامها السابع، فما تزال الكثير من المدن تعيش واقع الحرب رغم عودة السلام إليها، ومنها مدينة عدن عاصمة اليمن المؤقتة التي تتسابق فيها الأطقم العسكرية والأمنية لارتكاب الحوادث ضد المارة أو أعمدة الكهرباء بصورة يومية في صورة تشي باللامبالاة والتحفز الدائم، وكأن هناك حرباً جديدة على الأبواب.
ما أفظع أن تعيش مدينة مسالمة يتطلع أهلها للهدوء والسلام والوئام واقع الحرب في كل تفاصيلها وحركاتها وسكناتها، وهذا يؤشر إلى أن النخبة الحاكمة عجزت عن ضبط الوضع وصناعة السلام الذي يفترض أن يطغى على واقع الحرب والعنف، ويصبح تعبيراً عن الحياة المدنية التي ينشدها الناس..!
في عدن كما في القرى المجاورة لها، أصبح العنف سمة سائدة في حياة الناس، ففي عدن يلعب الأطفال ويؤدون أدوار الجنود في الحرب بأسلحة خشبية أو ما يرمز لذلك، في معنى يدل أن حياة العنف لم توفر أطفالنا، وفي القرى المجاورة لعدن أو في ضواحيها يحدث أن تعج مجالس تناول القات بالأسلحة والقنابل انعكاساً لمأساة الحرب اللعينة التي لا تبارح العقول والنفوس.
علينا أن لا نترك الجيل الذي عاش مأساة الحرب نهباً للعنف والقسوة، فهناك كثير من الدول عاشت الحروب الطويلة ولكنها استطاعت الخروج منها وترميم ذاكرة ونفوس الأطفال والأجيال وإعادة إدماجهم في الحياة المدنية.
إننا بحاجة لبرامج مدنية تزيح ركام وتشوهات الحرب، ليس عن الأطفال والشباب فحسب، وإنما أيضا عن المدن الكبيرة وإعادتها إلى الحياة المدنية الطبيعية.
وفي عدن.. نقول للأجهزة الأمنية والعسكرية إنكم قادرون على ضبط الأمن من دون عسكرة الحياة.. لا حاجة لتحويل المدينة إلى ثكنة عسكرية وأمنية تفصلها الحواجز والكتل الإسمنتية، فالمرحلة التي مرت بها هذه الأجهزة كافية لمنحها الخبرة في كيفية التعامل مع التحديات وجعل المدينة تعيش بسلام ووئام بعيداً عن مظاهر العنف.