شاهدت في عدن صور كثيرة لواقع المدينة، وواقع الناس، ولكن ابلغ صورة يمكن الحديث عنها هي ارتفاع تكاليف المعيشة، حتى غدت عدن اليوم اغلى مدينة في المعيشة على مستوى العالم كما يبدو.
غبت عن عدن عام ونصف تقريبا مشردا في ضواحيها الريفية، ولما عدت اليها قبل ايام احسست بالمدينة تعانقني وتقول: لقد تغيرت الامور كثيرا ولم تعد كما كانت من قبل.
ارتفاع الاسعار اصبح جنوني جدا، فالفقراء ازدادوا فقرا، واصحاب الطبقة المتوسطة صاروا فقراء، والعائلات الشريفة صارت تشحت في الشوارع وامام المساجد والمطاعم.
فكرنا اول يوم من الوصول الي عدن ان نتغداء سمك مخبازة، فذهبنا لسوق السمك، وهناك صعقتنا الاسعار المرتفعة.. الكيلوا الثمد بعشرة الف، والحوت الباغة بالف ريال، والكيلوا السخلة بستعشر الف، وهكذا اسعار نار فتسالنا: ماذا ياكل اهل عدن البسطاء اذن.. انهم لايستطيعون شراء السمك اليوم، فما بالك باللحم والدجاج.. لم تستطع الجهات المسؤولة ان تفعل شي تجاه هذا الغلاء الفاحش، واكتفت بالتفرج على التجار وهم يذبحون الناس من الوريد الي الوريد.
يحتاج رب البيت اذا عنده اسرة من خمسة الي ستة افراد الي مليون ريال في الشهر، نفقات غذاء ومدارس وعلاجات وخدمات ومصاريف يومية، والذي عنده بيت ايجار ربما يحتاج اكثر من هذا المبلغ، فما بالك والناس رواتبهم من ستين الف ريال او مئة الف في الشهر، والبعض لايستلمون مرتباتهم لعدة اشهر.. اننا قادمون على مجاعة كبيرة في عدن، والمدن المجاورة بسبب الغلاء الفاحش، وتدني الدخول الشهرية، وانعدام الوظائف الخاصة والحكومية.
ارتفعت ايضا اجرة المواصلات، فالمشوار الذي كان بمئة ريال اصبح بمئتين، والذي كان بمئتين اصبح بخمس مئة، وهكذا يرتفع كل شي الا راتب الموظف لم يرتفع ولم يتحرك من مكانه.
شاهدت في عدن ايضا انعدام الازدحام في الشوارع والاسواق، فتسألت لماذا خف الازدحام.. فقيل لي ان الناس تلزم بيوتها هذه الايام، ولم تعد تخرج بسبب الظروف الصعبة، واخرين غادروا المدينة الي الارياف بحثا عن حياة بسيطة ومعيشة متواضعة، كما فعلنا نحن قبل ثلاث سنوات ونصف، اما السيارات والمركبات التي كانت تعج بها المدينة فان سبب انحسارها هو ان كثير من الناس ركنوا سياراتهم ولم يعودوا يستخدمونها بسبب ارتفاع المشتقات النفطية.