ثنائية الموت والحياة في مارب تحضر على الدوام، خاصة منذ بدأ الحوثيون حربهم عليها قبل ستة اعوام، غير ان هذه الثنائية طغت مؤخرا على ما سواها ، اذ تجدها حاضرة بأشكال وصور متعددة، اي الاتجاهات ذهبت واي الأنحاء قصدت وعلى مدار الساعة .
في الصباح تحضر تشييع شهيد أو بالأحرى شهداء ، في الأغلب لا تعرفهم او بعبارة ادق لا تعرف الجميع ، لكنك تحضر مراسيم تشييعهم وكأنهم قطع منك ، ثم يأتي الظهر فتذهب لحضور عرس هذا الشخص او ذاك ، ثم تذهب لاحقا لمواساة اسرة شهيد او لحضور نقاش حول هذه القضية او تلك ..وهكذا دواليك في متوالية لانهاية لها .
هل هذا الامر سوي ..؟ لكل شخص راي في هذا، غير ان اللافت ان الناس هنا لم يعدوا مهتمون بما يحدث او بالأحرى لم يعودوا يكترثون للموت المستدام ، بل تجدهم وكأنهم قد تقبلوه ، لا لغرض الاحتفاء به، بل لمقارعته وهزيمته كعدو لابد من الانتصار عليه، وفي هذا المعمعة يدركون انهم سيخسرون اصدقاء او اقارب، بل ان كل واحد من الحاضرين يتوقع دون وجل ان ذاته هي التالية ، غير انه لا يضيع الوقت للتفكير حول مصيره المنتظر، لذلك تراه/هم منصرفون الى شؤونهم الخاصة باقتدار وكأنهم سيعيشون الف عام ، وهنا -في مارب- تتجلى عظمة الحياة وقدرتها على مقارعة الموت والانتصار عليه .
في المقايل التي تقام هنا، يناقش الحاضرون مسائل عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية وكثير من تلك النقاشات لا نهايات لها ولا مقررات، غير ان اكثر الاشياء غبطة في النفس ان النقاشات في مجملها لا تخلو من فهم ودراية بالموضوعات المثارة، والتي بإمكانها في احيانا كثيرة ان تشكل برامج جوهرية صالحة للمرحلة بل وللمستقبل ، ومع ان النقاشات تخبو بعد كم ساعة، الا انها تبقى حاضرة في اذهان الناس حتى لقاء اخر وتثار مجددا..
احيانا تشكل النقاشات حول تعدد الزوجات وضرورة ذلك من وجهة نظر البعض ، اقول تشكل موضوعات من هذا القبيل، مرتكز رئيسي للحديث خاصة في الاعراس ، وهذه النقاشات بدورها تثير الكثير من التقاطعات (ديني ،سياسي ،اقتصادي، اجتماعي )، ويعود الامر من وجهة نظري الى الواقع المعاش هنا ،حيث نسبة النساء أعلى بكثير من الرجال بسبب الحرب، والسؤال : كيف يتم المؤامة بين الحاجة الاقتصادية والاجتماعية وبين التعدد ..؟ ودون الغوص في الاشكالية بمجملها وبمختلف جوانبها ، يلاحظ ان اكثر النساء اللواتي فقدن ازواجهن في هذه الحرب اللعينة، لديهن اطفال بحاجة الى رعاية مستمرة ، غير ان الامهات غير قادرات وحدهن القيام بما يجب تجاه الاطفال (رعاية وتطبيب ودراسة) في ظل ظروف اقتصادية صعبة وفي ظل انعدام جهات معنية بتقديم المساعدة اللازمة لهذه الشريحة المجتمعية المهمة ، الحال الذي يفرض على الكثيرات منهن القبول بأول طارق للباب، مع ان التجارب الملموسة تكشف ان الامور سرعان ما تتعقد اكثر، خاصة في حالة ان يكون المتقدم الجديد سيء الخلق والخليقة ،لكن هذا لا ينفي وجود مكافحات رائعات، رغم الصعاب والقهر، قمن بما يجب تجاه اولادهن وبناتهن وبهن تتألق الحياة دوما وتنتصر على ما سواها بكل تأكيد..