لطالما استخدمنا مصطلحات “اليمين واليسار” بطريقة تقدم اليسار مناضلاً من أجل الحريات والعدالة الاجتماعية والتغيير الجذري، وتقدم اليمين في صيغة المتحفظين على الحريات والمدافعين عن الهويات واستمرار الأوضاع الحالية.
لكن الصورة اليوم تبدو معكوسة بعد سيطرة ما يدعى “اليسار الهوياتي” على الساحة العالمية.
صار اليسار اليوم هو من يطالب بتقييم حرية التعبير “الصحابية السياسية”، ويدافع عن الدين، ويرفض بشراسة أي نقد ديني “الإسلاموفوبيا، الدفاع عن تطبيق الشريعة والحجاب ودونية المرأة”.
ووصل الحال باليسار الذي كان يركز على محورية البنية التحتية والاقتصاد إلى اتهام من يركز على الاقتصاد بالرجعية، وأن يدافع عن مرورية الهويات الفرعية “الجنس والعرق والدين” باعتبارها العامل التاريخي الحاسم في الصراع المجتمعي.
إنه يسار مقلوب رأساً على عقب يقف مع الفاشيات الدينية وحركات تهميش المرأة بداعي الهوية، ويقسم المجتمع إلى هويات مغلقة وجيتوهات معزولة لا رابط بينها.
بدأ طريق التوهان اليساري بالتحول من ماركس إلى ميشيل فوكو.. ثم من فوكو إلى مدرسة ما بعد الاستعمار، التي ترى أن يساريتها تقتضي منها الدفاع عن كل البنى الطائفية والعشائرية والخرافية لمرحلة ما قبل الاستعمار، وأن ما دمره الاستعمار من بنى قروسطية في العالم الثالث يجب أن تعود على يد أبطال اليسار الجديد للتخلص من عقدة الذنب الأبيض.
طريق طويل كانت أبرز صوره في القرن الماضي ميشيل فوكو وهو يتحول إلى موظف دعاية للخميني، واليسار الفرنسي “اللوموند ديبلوماتك” وهو يتحول إلى يسار إسلاموي هوياتي محافظ.
كنا نتحدث عن “اليسار التقدمي” و “اليمين الرجعي” لكن الصورة اليوم مربكة للعقول.