كيف استلبت الكهانة الهاشمية العقل اليمني، وصيّرته تحت إمْرتها، تجوس به المدن والقرى لقتل أقرانه وأبناء جلدته، حفاظاً على دونيّته وتبعيّته وارتهانه لهذه الكهانة العنصرية؟! سؤال كبير بكُبر هذا الوجع الذي يدمي قلب كل يمني.
اليمني الذي نقش أول أبجدية في الجزيرة العربية، وهنْدَس القصور والسدود بعقلية فذّة، أغلق عقله، واستسلم للخرافة الهاشمية بعاطفة لا تقبل التفكير والتمحيص والتراجع! منذ اندلاق هذه العصابات الإرهابية إلى اليمن، يقودها السفاح يحيى الرسي وابن عمه أحمد المهاجر، عملت على نشر الخرافة بغية تدجين العقل اليمني وإبطاله عن التفكير. فالخرافة أفضل الوسائل لتسيير العوام، واستلابهم، وهي لب دعوى الحق الإلهي وحصرية البطنين للكهنوت الهاشمي.
ولأن العقل اليمني صعب المِراس، كان لابد من بث الرعب والخوف في أوساط المجتمع، بالبطش الشديد، كما حدث لقبائل بني الحارث على يد السفاح يحيى الرسي. هذا الخوف كان سبباً لاستنبات الخرافة، ومن ثم تغييب العقل، فالخرافة سببها الخوف كما يُقال، وبهذه الطريقة فرضت الهاشمية خرافاتها التي خضع لها عامة الناس وقتها. ومع مرور الزمن، تحوّلت بعد أجيال إلى عقيدة يؤمن بها الناس دون إعمال للعقل، بعاطفة جيّاشة صمّاء، كما لو أنها دين مُتّبع! تغييب العقل اليمني تمخض عنه انتشار الخرافة التي حيّدته عن التفكير، إذ "كلما غاب العقل ظهرت الخرافة وإذا سادت الخرافة ضاع العقل".
ولأن الخرافة تصنع عبيداً يُساقون دون وعي، فإنها تقود إلى مستنقع التقديس للبشر، وهذا ما نشاهده يوماً عن آخر لأولئك الذي استلب الكهنوت الهاشمي عقولهم وباتوا يتلذذون بتقديس المجرم عبدالملك الحوثي ويطلقون عليه أوصافاً لم تعرفها أكثر مراحل الرق والعبودية انحطاطاً عبر التاريخ. خلال حركة الشهيد أحمد الثلايا عام 55، تجلّت هذه الخرافة بأبشع صورها، فحين قُلن الزينبيات "يا غارة الله على بنات النبي"، خرج عبيد عواطفهم من اليمنيين للفتك بالثوار الأحرار والانتصار "لبنات النبي" وبكل سذاجة! وقبل ذلك، اجتياح صنعاء بعد ثورة الدستور عام 48 والتنكيل بأهلها، ناهيك عن الوقوف على النقيض من الجمهورية بعد ثورة 26 سبتمبر، بدعوى أن الثورة كفر بالله، رغم أن الثورة كانت لتحريرهم من الخرافة والوهم بقداسة الكهنوت! هكذا أصبح العقل اليمني يخلط بين الخرافات الكهنوتية والتعاليم الدينية الصحيحة، وحل التصديق الساذج بهذه الخرافات محل الإيمان الصادق بالدين والنبي الكريم!
لقد حارب الكهنوت الهاشمي المتنورين اليمنيين عبر تاريخ تواجده الدخيل في اليمن، وكلما برز قيل يماني يوقد شعلة النور في العقل اليمني كلما كشّرت الهاشمية أنيابها نحوه، واتهمته بكل موبقة، أقلها اليهوَدة وأكبرها الكفر والإلحاد، وهو الأمر الذي وُوجه به القيل حسن الهمداني ثم القيل مطرّف الشهابي ورفاقه المتنورون وسار ذلك على الملك نشوان الحميري، والقيل سعيد بن ياسين، لأن الكهنوت كان -ولايزال- يدرك أن حرية الفكر مقدمة لحرية الحكم واختيار الحاكم، وكلما اتسعت رقعة الحرية الفكرية بين الناس كلما تقلّصت رقعة الخرافة الكهنوتية في أوساطهم، وبان زيفها وكذبها.
إن استلاب العقل اليمني بالخرافات الهاشمية هو أداة الكهنوت لإبقائه رهينة تسلّطه العنصري، باسم الدين والنبي، وإذا ما هدم اليمنيون هذه الخرافة بإعمال عقلهم، سينهار هذا الكهنوت، وسيكون انهياره مدويّاً، وهو الأمر الذي يخوضه اليوم حراك القومية اليمنية (أقيال) في معركتهم التنويرية التوعوية، بكل شجاعة وحنكة واقتدار، لإبطال مفعول الخرافة التي استلبت العقل اليمني، وجعلته عبد عاطفته، ومكّنت الإرهاب السلالي الهاشمي من تقويض الدولة اليمنية على مدار 1200 عام.