ربما هذا السؤال يخطر في بال كل يمني يأمل أن يكون هناك افق للحل السياسي، وانهاء الحرب التي دخلت عامها الثامن، في ظل فشل كل الجهود ومبادرات السلام الهادفة لوضع حد لما وصل إليه اليمن بعد هذه السنوات.
يدرك الجميع أن ثمة عوائق كثيرة تقف وراء أي مساع للحل السياسي والجلوس على طاولة الحوار ، والذي يراه الجميع على المستوى المحلي والإقليمي والدولي فرصة لايقاف الحرب وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من شتات هذا البلد الممزق.
هناك طرف يعرقل كل الجهود لبدء مرحلة جادة لإمكانية البحث عن الحلول بغية إيجاد طرق تؤدي لوقف نزيف الدم اليمني،الحوثيون هم الطرف الذي يُجمع عليه أنه الطرف الأكثر تطرفا وتشددا في مسألة رفض الحوار وأي مشاورات تسهم لوضع اللبنة الأولى للحل السياسي.
المجتمع الدولي يدرك تماما أن الحوثي كطرف يحمل السلاح ويعمق جرح اليمنيين يرفض بل ويقوض كل فرص الحل السياسي، التي تسعى من أجله المكونات اليمنية الأخرى رغم فشلها في إدارة المعركة عسكريا وسياسيا وحتى اقتصاديا، فقد استفاد الحوثي من إخفاقات الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا ، وأصبح يقوي من تواجده ميدانيا وحتى على المستوى الخارجي، بفضل لوبي واسع يخدم أجندته في الأروقة الدولية.
الدعوة التي وجهها مجلس التعاون لدول الخليج العربي للحوثيين لبدء مشاورات يمنية -يمنية، هي مرفوضة من قبل ، هكذا بنظر الحوثي الذي أكد في مواقف كثيرة رفضه لأي حوار مع أي طرف داخلي بل مع السعودية التي يعتبرها دولة معتدية، هذا الموقف يقوض أي جهود تبذل من أجل إحلال السلام ووقف الحرب، وهنا تتكشف مساعي الحوثي الرامية إلى إفراغ القضية اليمنية من جوهرها وتزييفها، وكأنه لم يكن لليمنيين أي قضية مع الحوثي.
أهدر الحوثي فرص كثيرة باشتراطاته التي لا يمكن القبول بها من وجهة نظر الحكومة الشرعية والتحالف، فيما الأمم المتحدة بدت متماهية مع المواقف الحوثية، وأصبحت تعامله بكافة الطرق المدللة والغير مسبوقة خاصة في السنوات الأربع الأخيرة بعد أن خسر عسكريا على الأرض.
ولذا الحوثي ليس جاهزا للسلام، وهذه معطيات الواقع التي يشاهدها الجميع من خلال ما يفرضه على الأرض من سلطة قمعية وتحشيد الآلاف من المقاتلين والدفع بهم إلى محارق جديدة دون اكتراث، واستعمال لغة التهديد بمزيد من الخراب والدمار وتوعد الخصوم داخليا وخارجيا.
السلام له شروط ، والحوثيون لا يمتلكون هذه الشروط، بل لديهم اشتراطات جديدة ككل مرة لا تساعد على الدفع بعملية السلام إلى الأمام كما جرت العادة منذ بدء الحرب، وهو ما يجعل إمكانية البحث عن مخارج جديدة لوقف الحرب منعدمة في ظل هذا التعنت، وهذا المنطق المتحجر الذي تتبناه هذه المليشيات.
وعند الحديث عن تحديد أسباب الحرب وإزالتها، فإن الحوثي سيعتبر نفسه في مأزق حقيقي، ولذلك حاول القفز على أمور كثيرة في ملف المشاورات، بدءا من الملف السياسي وبعدها العسكري، وهو يراهن على الجانب العسكري كثيرا لفرض شروطه، خاصة أنه ما يزال يتلقى دعما عسكريا لا محدود من إيران، وهو بذلك يضيق المساحات للحياولة دون إيجاد أرضية مشتركة لبدء حوار حقيقي ينهى الحرب.
الحوثي لن يذهب حتى يعود خالي الوفاض، سيذهب وهو يدرك تماما ما يريد، لديه أجندة ومشاريع تخصه هو لا تخص اليمنيين بتاتا، وهذا ما سعى لأجله، وهذا ما أكدته تصريحات أدلت بها قيادات حوثية قبل كل دعوة للحوار والمشاورات، وأنه سيذهب لسلام لا للاستسلام، وهذه الجزئية تتعلق بالجانب العسكري تحديدا وموضوع الانسحاب من المدن وتسليم السلاح .
التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية ، ساهم في تعقيد الوضع بالتعامل مع الملف اليمني، واخفق كثيرا من خلال سياسته لادارة المعركة التي ما تزال بلا افق أو هدف واضح، وهذا جعل الحوثي كحركة متمردة تتمكن من الإفلات من مآزق كثيرة خلال سنوات الحرب، واستطاعت امتصاص وتخفيف الضغط الدولي عليها رغم ما أرتكبته من جرائم لا حصر لها بحق المدنيين.
فكيف سيقبل الحوثي بالدخول في مشاورات أو مفاوضات مالم يكن هناك أدوات جديدة للضغط عليه واخضاعه بشتى الطرق حتى يقبل بالجلوس على الطاولة؟ وهنا يتم الإشارة إلى الجانب العسكري الذي فشلت في إدارته الحكومة الشرعية ومعها التحالف العربي بكل إمكانيتهما، ومع استمرار هذا الوضع يستطيع الحوثي في المراوغة والمماطلة والمناورة على الطريقة الإيرانية، بل وبتوجيهاتها.
ولذا مسألة فك عقدة الملف اليمني ومشاورات السلام مرتبطة إرتباطا كبيرا بالملفات الشائكة بين الرياض وطهران، ومتى ما بدأت تلك الملفات بالتفكك وتذهب للتسوية فإن الأزمة اليمنية ستكون في طريق الانفراجة، وهذا معلومة لا تخفى على الجميع، الملف اليمني يتوسط الطاولة بين السعودية وإيران.
بالمقابل القراءة المعمقة للدور السلبي للحكومة الشرعية والأحزاب السياسية المؤيدة لها، تُظهر الصورة الكاملة للفشل في مواجهة الجائحة الحوثية، تشظت المواقف داخل صفوف الشرعية، وذهب قيادات هنا وهناك وأصبحت موالية لأنظمة سياسية لتصفيات حسابات بعيدا عن القضية اليمنية، إضافة إلى ذلك تفريخ الكيانات السياسية والعسكرية داخل التكتل الشرعي للحكومة .
هذا يعطينا ملخص عن أسباب رفض الحوثي لأي دعوات لإحلال السلام، ووقف الحرب بكل الطرق الممكنة، فالجميع لديهم قناعة أن من ينتظر سلام من حامل بندقية تفتك باليمني كمن يوزع الورود من على ظهر دبابة تجتاح المدن وتنشر الخراب والدمار دون توقف،ويعتبرون ذلك تسويق للوهم، ومزيدا من الألاعيب التي اعتادوا عليها في كل جولات الحوار ومشاورات السلام.
المجتمع الدولي كعادته يعطي الحوثي باستمرار جرعات تنعشه من لحظات الهلاك والانهزام عسكريا وسياسيا واقتصاديا وأخلاقيا، ويمنحه فرصة جديدة لالتقاط أنفاسه، ليعود مجددا ويمارس ذلك العبث الذي بدأه منذ سبتمبر 2014، وحتى الآن، فأصبح المجتمع الدولي يدير الأزمة اليمنية دون إيجاد حلول لها، وهذا ما يدخل اليمن في سيناريوهات جديدة لا نقطة نهاية لها.
دخول دول جديدة على خط الأزمة اليمنية أصبح واضحا للعيان، وهي في الحقيقة لم يكن تواجدها حديث العهد بل منذ اندلاع الحرب، فقط زادت من وتيرة أنشطتها ،تلك الدول استطاعت استقطاب مكونات سياسية وعسكرية يمنية، وهذا زاد الوضع تعقيدا، فمع كل حديث عن جهود السلام تظهر تلك المكونات بدعوات جديدة وتدعوا لتحقيق مطالب، وربطها بمشاورات السلام، وهي في جوهرها تعمل خارج اطار القضية، ومع استمرار الحرب وتفاقم الأزمة في مختلف المجالات نكتشف المواقف المتناقضة لكل مكون يمني يرى نفسه الأحق بالظهور لتمثيل القضية اليمنية.
مشاورات الرياض الجديدة ، هي تكرار للنسخة السابقة ولن تأتي بشيء، وانما هي محاولة لتسجيل موقف سياسي للتحالف والحكومة الشرعية أمام المجتمع الدولي الذي مارس ضغوطا كبيرة عليهما،هذا من جهة، ومن جهة أخرى تعرية الحوثي الرافض للسلام، وهذه المشاورات بنظر الجميع لن تجدي نفعا ولن تغير شيء، وهذا يعبر عم حالة البؤس والإحباط لدى اليمنيين في الداخل، الذين ما يزالون يتجرعون الأزمات وتبعات الحرب بكل أشكالها.
بالمحصلة فإن غياب الحلول والرؤى والتصورات لحلحلة الأزمة اليمنية سيعطينا مؤشرات جديدة أن الحرب ستستمر ولن تتوقف، وسترتفع معها فاتورة الكلفة الإنسانية، ولن يتوقف الحوثي عن ممارسة ما يحلو له، من قتل وتجويع وتشريد واعتقال واخفاء وتصفيات المعارضين له، ومعه سيزيد أيضا التراخي في مواقف التحالف العربي والحكومة الشرعية ومعهما المجتمع الدولي المُدَلل الأول للحوثيين.