كانت ولا زالت حضرموت بعيدة عن الحرب الدائرة المشتعلة بين قوى الصراع في البلاد، لكنها لم تكن في منأي عن تأثيرات هذه الحرب مباشرة أو غير مباشرة وأعبائها الثقيلة على أوجه مناحي الحياة والخدمات إضافة إلى «غل الهيمنة والتركيع» الذي ظل يلاحقها في كل منعطف، ولم ينقطع عنها باستهدافات مختلفة الأساليب والحيل من قبل أطراف الاستحواذ.
بات مكشوفَا شراسة اللعب على ضرب قلاع حضرموت واحدة تلو الأخرى، للانقضاض على ما تحقق لها خلال سنوات ما بعد تطهير مناطق الساحل من رجس الإرهاب، بأعمال شيطانية حمقاء حاولت النيل من نسيجها الإجتماعي المترابط، والاخلال بسلامها المجتمعي المتين تارة بافتعال المشاكل والخلافات وتارة أخرى بالتشكيك والتشوية لرموزها وقاماتها لنزع الثقة والولاء ، فلم يسلم قائد، ولا عاقل، ولا رأس قبيلة، ولا شيخ علم، ولا مؤسسة خيرية، ولا مكون جامع، ولا حتى مدرسة حضرموت الدينية التي قدمت مثالًا للدعوة والصلاح والتعايش إلا مسه نتف من ذلك النزق الخبيث الذي يمارسه ضعاف العقول والنفوس ..
لكن الحضارم بوعيهم وحنكتهم لديهم حصانة من أن تنال منهم دعوات الهدم و الفوضي ، وتاريخ مقاومتهم للباطل يستجلى ذلك بصور عديدة ومتنوعة وأن لم يسجله صدام او عراك عنفي فأن في صمتهم موقفا و سلاح لا يتقن استخدامه الآخرين ..
اليوم نقف على أعتاب استهداف آخر ومن طراز عجيب يصوب نحو قلعة التعليم التي ظلت خلال سنوات الحقب السابقة حصينة، شامخة، ومتفردة على المستوى الوطني.. استهداف في ظاهره حرص على موارد صندوق التعليم الذي وجد من أجل رفعة التعليم وتأمين متطلباته، وفي باطنه اغتيال وإعاقة مسيرته على غرار ما حدث ويحدث في بعض المحافظات المحررة!
فعلى الرغم من الأزمات والنكبات التي مرت على البلاد ظل التعليم في حضرموت - ومنها بالذات الساحل الحضرمي - قلعة صمود حتى في أحلك الظروف وتقلباتها ، فعندما فر المزايدون وتركوا الميدان لقطيع المبرقعين كان قيادات التربية والتعليم مرابطة ومستبسلة في التخطيط والإشراف والتوجيه لانتظام الدراسة دون إنقطاع أو تدخل، وعند انقلاع ذلك العهد السيء واستقبال مدن حضرموت للنازحين من كل بقاع ومناطق اليمن للعيش والمحلة في هذة البلدة الآمنة، ظلت هذه القيادات وعلى رأسهم ربانها جمال عبدون يبحثون ويسعون لإيجاد مخارج للحلول تضمن استمرارية التعليم واستيعاب زيادة تدفق الطلاب على المدارس، وساندهم في ذلك الخيرين من رجالات حضرموت أمثال الشيخ الفاضل محمد عوض البسيري وآخرون ممن تكفلوا برواتب مئات المتعاقدين من المعلمين والمعلمات لسد شواغر النقص في الكادر التدريسي ، باتفاقات رعتها السلطة المحلية قبل أن تفكر فتأسس صندوقًا لدعم التعليم.. وكان ثماره إلى جانب استقرار التعليم واضحًا في البني التحتية وتوفير التجهيزات والمتطلبات التي واكبت التوسع والاقبال على التعليم في الحضر والبادية على حد سواء .. والشواهد خير من تتحدث ، وهي ستبطل زيف كل واهم يحاول المساس بالتعليم واستقراره، وتجعل مصيره لا محالة الفشل المهين.