كوفيد لعله يفيد

محمد بالفخر
الخميس ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٠ الساعة ٠٥:٢٦ مساءً
مشاركة

تذكر كتب التاريخ القديم وحتى الحديث كيف أن الكوارث والحروب الطاحنة على قدر ألمها وفاجعتها وما احدثته من ضحايا بشرية ودمار للأرض وانهيار للاقتصاد كانت هي الوقود والمحرك لنهضة عظيمة شهدتها تلك الامم.

في القرن الرابع عشر حصد الطاعون في أوربا ما يقارب من ثلث الى نصف السكان وسمي ذلك الطاعون الموت الأسود أو الموت العظيم، واستمر يصيبهم الطاعون كل بعض سنوات فيحصد الكثير ثم جاء بعده الجدري الذي ظل عقودا يحصد أرواح آلاف البشر

كما عانت من المجاعات التي مات خلالها أعدادا كبيرة من البشر ونفوق الحيوانات لكنهم قاموا بعد تلك الكوارث وبدأت حركة النهضة تأخذ شكلها لديهم، أخذوا من العلوم ولا نأت بجديد عندما نشير الى استفادتهم من الحضارة الاسلامية واخذهم من نتاج العلماء المسلمين الذي شكل البذور الاولى لنهضتهم الحديثة فطوروها حتى وصلوا الى ما هم عليه الان في حين غرق المسلمون في عصور الانحطاط وانتهت بهم الخلافات المذهبية والسياسية والفقهية حتى أصبحوا في ذيل القافلة ولا حول ولا قوة الا بالله

ولا ننسى الحربين العالمية الاولى والثانية و قتل ملايين البشر وتدمير مدن بأكملها وكيف استطاعت تلك الدول الوقوف من جديد واحداث نهضة وامتلاك قوة كبيرة في خلال عقود  قليلة ولعلي آخذ هنا مثالين اثنين اليابان والمانيا اللتين خرجتا من الحرب العالمية الثانية بتدمير شبه كلي ولا يخفى على أحد كيف كانت المانيا واليابان من الدول العظمى قبل الحرب فانتهت الحرب ببلدين مدمرين ومع ذلك لم تطل فترة الهزيمة و لم يقفوا طويلا  عند جراحهم استفاقا سريعا من الصدمة و تبنت كل دولة منهما منهجا للنهضة لم يلبث أن جعل الشعبين من أكثر الشعوب انتاجا وامتلكا اسباب القوة من جديد .

أما اليابان فقد اعتمدت على الاهتمام بالتعليم والمعلم واعطتهما الاولوية في الرعاية ثانيا اعتماد مبدأ الجودة العالية في العمل والأداء خلق روح الانسجام في العمل وتحويل العمل الجماعي الى سلوك مجتمعي.

لم يقفوا عند أطلال الاراضي المحروقة لينشدوا قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بل وقفوا على أطلال مدنهم المحروقة فاستصلحوها زراعة وصناعة.

وأما المانيا فاعتمدت مشروع مارشال لتطوير بلدهم

واعتمدوا ايضا على العمل الدؤوب في مجال الصناعات الثقيلة وكذلك زيادة الانتاج الغذائي المحلي مما ادى الى تقليل البطالة وكلا الدولتين نجحت نجاحا باهرا في نهضتها.

فماذا عنا نحن العرب والمسلمين منذ اكثر من قرن ونصف ونحن من تدهور الى تدهور ومن انحطاط الى انحطاط انقسمنا شيعا واحزابا مذاهبا وجماعات وكل قوم بما لديهم فرحون وليتنا نعمل ما يؤدي للفرح.

نتنابز بالألقاب ونتغنى بالعشيرة والقبيلة ونتعبد الاحزاب ونطيع اراذلنا ونول الفسدة ونقدم الجهلة ونعظم التافهين ونحط من قدر الصالحين فلا نحن سسنا أنفسنا خيرا ولا نحن قعدنا نتعلم من الاخرين ونحاول النجاة.

اليوم العالم كله يواجه وباء جديد نعده عادلا فهو يبطش بالغني والفقير القوي والضعيف لم يستثن احدا ومن لم يمسه المرض لن يتجاوزه ما سيتبع هذا الوباء وما سيترتب عليه،

كثرت التحليلات وعظمت التخويفات والتخوفات ولا ملاذ لنا من هذا كله الا الله.

كوفيد وما أدراك ما كوفيد أسقط اقنعة ومسح رتوش وعرى الحقائق على مستوى الدول وحتى على مستوى علاقاتنا الاجتماعية جعلنا نكتشف هشاشة علاقاتنا واكاذيب الصحبة وحسن الجوار كلٌ يخاف على صحته وسيطر وهم الانزواء المبالغ فيه فيتقيك وقد تكون في أمس الحاجة اليه!

وأرانا أناسا كالأقمار مازالت تسطع في ظُلَمَ الليالي يتعامل مع الوهم والحقيقة بعقل واخذ حقيقي بالأسباب،

فعل كوفيد في أشهر قليلة ما لن تفعله أي حرب بهذه الفترة القياسية.

لاشك أننا مقدمون على تداعيات إن لم يكن بسبب كوفيد فلأسباب كثيرة ستسقط أنظمة وتأفل نجوم وتسطع أخرى لكن أين موقعنا نحن المسلمين كأفراد ودول هل كتبنا على أنفسنا أن نكون مع خسارة الخاسرين و لاندخل في ربح الرابحين؟

اليس من رُشدٍ يحكمنا لنجمع كلمتنا وننظر حولنا لنرى مواضع قوتنا فنقويها و ندرس اسباب ضعفنا فنقضي عليها،

العالم يتجه للفقر وحروب السيطرة فهل يعقل أن تظل أمةً ذات حضارة خالدة محرقة ومسرح عمليات الاقوياء؟

إن لم نتعلم الدرس الآن فربما سنحتاج عقودا وربما قرنا آخر لننجو ونستوعب الكارثة التي نعيشها.