جارةُ البيت".. الخفيّةُ الحاضرة في منازل "إب" الشعبية

سماح عملاق
السبت ، ٣٠ مايو ٢٠٢٠ الساعة ٠٣:٠٢ مساءً
مشاركة

جارةُ البيت".. الخفيّةُ الحاضرة في منازل "إب" الشعبية

ارتبطت الثقافة الشعبية اليمنية بالكثير من الخرافات والأساطير التي يؤمن بها كبار السن وبعض الصغار.

وفي محافظة"إب"باليمن تكاد معظم الاعتقادات الموروثة أن تختلط بذرات "الأكسجين"، وتغدو جزءًا من الأجساد فضلًا عن الأرواح.

معظمنا استمتعنا بحكايا الجدات قبل النوم، وتحمّسنا للإلتواء حول كبار السن كلما رأيناهم في فراغ.

"احكِ لي ياجدة "سُمأة" جملة حفظناها -كأطفال- عن ظهر غيب؛ والسُمأة أو الحكاية لاتستند -غالبًا- على أيةِ حقائقٍ أو أسسٍ علمية تخاطب العقل، بس أشبه بأفلام الخيال والإثارة قبل وصول صحون "الدَّش" إلى أسطح المنازل.

وجارةُ البيت -كما فهمتُ من جدتي ومجايلاتِها- هي عائلة من عالم الجن توازي أية عائلة في كل منزل من حيث العدد والأعمار والأسماء بل والمقاسات أيضًا. وهي تنهض لتمارس حياتها مثلنا -تمامًا- أثناء خمود المنزل، والنوم أو الغياب.

تقول نعمة -ذات العقد الثامن من العمر- :"إنها مؤمنة تمامًا بوجود جارة البيت، وهي حقيقة وليست خرافة كما يزعم أبناء الجيل ". ونعمة -السيدة الريفية الأمية التي رعت الأغنام وجمعت أعواد الحطب من رؤوس جبال وادي نخلان في "سياني" إب- تحكي تجاربها الشخصية مع جارة البيت. :" نهضتُ في منتصف الليل -قبل أكثر من عشرين سنة- على غير عادتي، وذهبت وحدي للمطبخ الذي يقع في حوش المنزل لأستقي لي شربة ماء، تفاجأتُ بالنيران متقدة في الصُّعد (التنور الحطبي)؛ فخفت كثيرًا وتصببتُ عرقًا، لتلتفت إليّ امرأة تشبهني تمامًا وهي تحضر طعامنا المعهود، نظرَت لي باشمئزازٍ وغضب، ودعت عليّ بكشف عورتي لأني كشفتُها.. سألتها بتلكك: من أنتِ و ماذا تفعلين؟!.. أجابتني: أنا جارة بيتك، أعد لأولادي الطعام مثلكم، أتحسبيننا لانأكل؟! ".

هذه رواية نعمة التي ظلّت ترددها سنوات، وتعرفها معظم نسوة قريتها هناك..

جميلة -أيضًا- الأرملة الأربعينية التي تسكن بمفردها في إحدى قرى مديرية النادرة تعتقد بوجود جارة البيت، لكنها تنفي رؤيتها بالعين المجردة..

أثناء نوم جميلة أمام باب مطبخها في صالةٍ مفروشة بفخامة بحثًا عن البرودة بعز الصيف حلُمت بظلِّ كيانٍ يسحب فِراشها وهي نائمةٌ عليه بخفة إلى أسفل الصالة، ثم تنهض لتعود للنوم في مكانها؛ ليعود ذلك الكيان ويسحبها مرةً أخرى؛ ثم نهضت لتجد أنه كابوس وتعود أدراجها مذعورةً إلى غرفة نومها.

تذهب جميلة إلى أن "جارة البيت" تضايقت أثناء مرورها للمطبخ فأتتها معاتبة في المنام.

الأحاديث كثيرة، والحوادث متنوعة في محافظة "إب" وبعض مناطق اليمن وتدور جلّها حول الاعتقاد بوجود "جارة البيت" وأنها لاتؤذي ولاتتقبل التضييق والأذى.

ومما يتصل بها..التشاؤم من نسيان وضع الملح للطعام ورميه بدلًا من إضافة الملح مؤخرًا؛ خوفًا من أن "جارة البيت" قد لحسته أو أطعمته لأولادها . مع الوضع في الاعتبار بأن "جارة البيت" قد تأكل أكلنا دون أن ينقص قيد شعرة، وقد تستخدم مناشفنا لغُسلها دون أن يظهر البلل على المنشفة في حال عدم وضع الملح للطعام أو تعليق المناشف والملابس في الحمام حسب اعتقاد الأولين.

ويتخذ بعض الآباء والأمهات من جارة البيت أسلوبًا لترهيب أبنائهم؛ لتساعدهم في عملية التربية. ويقولون إن هذه الجنية التي تظهر غالبًا في المطابخ وفوق التنور تحديدًا لتخبز لصغارها تصفع من يتبول أو يترك الأوساخ في المطابخ والحمامات ليتورم محل الصفعة في جسد المخطئ.

أما الجدار الذي يقع التنور أسفله -في المطبخ الشعبي "الإبِّي" - يتميز بنقاطٍ حمراءَ تعود إلى قيام ربة المنزل بوضع سبع نقاط من عجينة "الحناء" دوريًا؛ كي "تحنِّي" جارة البيت أولادها حسب الاعتقاد السائد آنذاك.

ومع أن هذا الجيل يملك من الوعي مايؤهله لعدم التصديق بوجود "جارة البيت"، وبالتالي يتسابق إلى ميادين المتاح والمباح في الفن والأدب بشكلٍ عام، فإني أذكر كيف تتشنج جدتي إذا سهرتُ الليل ونمت أثناء صحوهم، هذه الثقافة لاترتبط بخصائص النشاط التي يجب أن تشبّهَ فتاة الريف بالنحلة، ولم ترش وجهي بالماء في الصباح الباكر كي أذهب للمدرسة. إنما - حد قول جدتي - التزامًا جماعيًا بمواعيد النوم لتنهض "جارة البيت" وتمارس مهامها -بحريةٍ- بدلًا عنا.