انتماء
تظل لمساحات الطفولة -مهما ارتقينا- حنينٌ خاص. شوقٌ لكل حيزٍ احتوى أحلامنا في أطوار تكوينها، ولكل زاويةٍ دثّرتنا بجمودها حين نبكي على اللاشيء.
نبتعد كثيرًا أو قليلًا بطبيعتنا "الماجلّانية".
نفرح بكل مشهدٍ جديد، وبكل موقفٍ يؤلمنا ويعلّمنا بعيدًا عن حيز الصبا.
ننتقل من الكوخ إلى القصر بعد بذل الأسباب، لكن رائحة الكوخ تبقى مختبئة في شعيرةٍ غائرة بخلايا حاسة الشم خاصتنا.
نشتاق للقذارة وقت كنّا لانستطيع التمخّط جيدًا، وللحنان القابع في صدور أمهاتنا الدافئة، وللدلال المرتفع على أكتاف آبائنا محاولين الوصول إليه.
نلتقي بكثيرٍ من الناس نصادقهم أو نعاديهم أو نتجاهلهم أو نطمح بالوصول إلى قلوبهم،
لكننا لانرى الظلال الواقفة بين هؤلاء الأشخاص.
أرى ظل جدي وهو يناولني أصابع السمسم كي أبتسم، وظل جدتي حين تتفقد عمودي الفقري وقفصي الصدري بعد تزييت أناملها المتجعّدة.
ألاحظ طيف عمتي تلاعبني ممرّرةً بذكاء مبادئ الدين وقيم المجتمع، وأشتمّ "عوادة العيد" أثناء خروجها من جيب خالي، وأسئلته عن أحوالي.
منزل العائلة محتوى الدفء، وملجأ المتشرد، ومجمع الفرقاء، ومحطّ الأمان، ومخبأ الذكريات، وموثّق المشاعر.
لاأثمن من منزل الورثة أجمعين، ولاأجمل من تعذّر أسباب بيعه أو التنازل عن حق فردٍ لصالح آخرين.
والأروع مما سبق اجتماع العائلة مهما بلغ عددهم تحت سقفه الواحد، وتربية الأبناء على القبول والإيثار والمحبة والطيبة والتسامح وسعة الصدر.
أعلم بأن معظمنا يهفو للاستقلال بعيدًا عن الازدحام، ولتأسيس حياته الخاصة.
والحنين إلى حياة الماضي لا ينافي الوحدة التي نهرب إليها بين الفينة والأخرى؛ حيث يمكننا التوصل إلى حلٍّ وسط، كأن نحدد شهرًا أو شهرين سنويًا تجتمع فيه العائلة بمنزلها المشترك إن لم يكن العمر بأكمله.
أنا أقدّس الجلوس مع الذات، والانتماء للنفس من الداخل مع ذلك صدقوني ..
إن ضجة العائلة سيمفونيةٌ ملهمةٌ للنجاح، ولها إيقاعٌ يطرب قلبي كل حين.
جمعكم الله بمن تحبون في جمعةٍ كهذه.
جمعةٌ أنت منهكٌ فيها في مدينةٍ أخرى يتبادر لذهنك صوت راعيةِ أغنام في القرية تقضي وقتها تحت الشجرة مدندنةً بهذا الموّال القريب للقلب.
"ألا وا بيت ابي ياكنة، ألا عشرين سنة .. واني عليك راكنةً".
20/11/2020