الرئيس ماكرون قال "الإسلام مأزوم" وهذا قول فيه مغالطة، من ناحيتين الأولى: لا تفريق به بين الإسلام، دين الله بملله المختلفة، ولا بين الأتباع المسلمون، الذين أمنوا به بملله المختلفة، وعلاقتهم الإيمانية والتفاعلية مع نصوص دين الإسلام التي أنزلها الله، في كتبه التوراة والإنجيل والقرآن.
الثانية: الإسلام هو دين الله الواحد، بملله المختلفة، وبالتالي فاليهودية ملة الإسلام عند موسى مأزومة، والمسيحية ملة النصارى عند عيسى مأزومة، كما هو الحال عند ملة المؤمنون ملة الإسلام الخاتم عند محمد مأزومة، وهذا هو الحقيقة إن كان يقصدها السيد ماكرون. المأزوم حقيقة، هو الإنسان الذي لا يتبع الإسلام الحق، فالإسلام هو دين الله الحق للناس كافة، لخلاصهم وعيشهم وتعايشهم، وتعارفهم وأخوتهم، بملته الإبراهيمية، الذي أنزله الله على ابراهيم عليه الصلاة والسلام، وملته اليهودية، الذي أنزله الله على موسى عليه الصلاة والسلام، وملته النصرانية الذي أنزله الله على المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وملته الإيمانية "المؤمنون" الذي أنزله الله على محمد الرسول والنبي الخاتم عليه الصلاة والسلام، وبهذه الملة اكمل الله دينه الإسلام وختمه.
المأزوم حقاً هو الإنسان بكل مكان، بسبب عدم اتباعه دين الله الواحد "الإسلام"، وبسبب عولمة وهيمنة رأسمالية التوحش، التي جعلت من صناعة الكوارث والحروب والأزمات، في أوطانها والعالم، مدخلاً لجني الثروات، وللإستغلال والهيمنة، على الثروة والإنسان.
في الغرب وأمريكا، من الذي يستولي على الثروات وكم نسبة تعدادهم من تعداد السكان، تجدهم القلة، ومن يستولي على السلطة أيضاً تجدهم القلة، المواطنون في حضارة رأسمالية التوحش، يدفعون ضرائبهم، وليس لهم تمثيل في السلطة، وليس لهم حقوق في ثرواتهم، فرأسمالية التوحش وحضارتها هيمنت على كل شيئ في حياتهم، فمن يهمن على الثروة والسلطة، هم القلة القليلة من الأغنياء فقط، الذين جعلوا المال دُولة بينهم، والمواطن يجد نفسه ترساً في آلة تصنيع الثروة للقلة، ومسجوناً في سجن أنظمة رأسمالية التوحش، مقيداً بأغلالها، يعمل ليل نهار ليسدد قروض حياته ومعيشته، وتعليمه وسكنه وصحته، فهو يعمل عبداً لرأسمالية التوحش، لقد ثار الأمريكيون على التاج البريطاني، لأنهم يدفعون الضرائب للتاج دون تمثيل في السلطة.
وعندنا المأزوم حقاً هم المسلمون، وليس الإسلام، ويجب الفصل بين الإثنين، فالإسلام دين الله الحق، فهو الحق من الله، مطلق المعرفة، الذي لا يحده زمان ومكان، منصوص عليه في نصوص القرآن، الذي تولى الله حفظه، والتدين، يعكس الفهم البشري، لفهم النص في ذات الإنسان، وفقاً لزمانه ومكانه، وأرضيته المعرفية وأدواتها، وهو ما يعرف بالفقه، وهناك منه فقه مغلوط، عمد لتأويل النص، اعتسافاً لصالح الإنسان وسلطته، والإنسان المسلم برسالة محمد عليه الصلاة والسلام، بطبيعته نسبي المعرفة، محدود الزمان والمكان، وكونه توقف عن قراءة النص الديني القرآني، قراءة تستلهم واقعه الإنساني، والمعرفي والزماني والمكاني، واعتمد على قراءة القرن الاول، والثاني الهجري، مع ما رافقهما من فقه مغلوط، تسبب في أزمة المسلمين اليوم من اتباع ملة المؤمنون المحمدية، إلى جانب الأزمة بوجهها الأخر الذي تسبب به الاستعمار -ومنه بلدكم ياسيد ماكرون- بسبب استعماره أراضي المسلمين وادخالهم نفق الجهل والتخلف ليهيمن عليهم وثرواتهم.
المسلمون جميعاً مأزومون بسبب ذلك نعم، وبسبب عدم التزامهم واتباعهم دين الإسلام نعم لكن الإسلام دين الله الحق ليس مأزوماً.
الإسلام هو خلاص البشرية بما فيها الغرب، وحضارته المعتمدة على رأسمالية التوحش، التي أوجدت كوارثها وأزماتها، فهو لذلك ليس مأزوماً.
كلنا مأزومين بترك الإسلام الحق، الذي أنزله الله للناس كافة، ليخرجهم من الظلمات للنور، ومن الكراهية للمحبة، ومن الحروب للسلام، ومن تميز العنصرية إلى تميز التقوى، ومن تميز الجنس واللون إلى تميز الأخوة الإنسانية. كلنا مأزومون الغرب بتحريف الدين الحق، وبرأسمالية التوحش ونتائجها، ونحن بالفقه المغلوط وترك قراءة النص القرآني، فخلاص الجميع هو من خالق الجميع وصانعهم الله سبحانه، ودينه الحق الإسلام. كلنا مأزومون سيد ماكرون.
د عبده سعيد المغلس
٨ اكتوبر ٢٠٢٠