أن تكتب شعراً
سأحاول أن أكتبَ بالورد عن الورد وبالبحر عن البحرِ وبالشمسِ عن الشمس وبالغيم عن الغيم، وأن أكتب بالليل عن الليل. قد أنجح أو لا أنجح لكني سأحاولُ إبعاد الكلمات عن النص فقد حجبت عنّا ظل الأشياء. *** حاول أن تكتبَ شعراً لا لغةً أن تطرق باب المعنى بالمعنى أن تطرق باب الصورة بالصورة لا تتوسل للشعر بغير الشعر ولا تتقبل معنى مطروقاً أو تعبيراً مصلوباً في أفواه الشعراء. *** أن تكتبَ عن شجرٍ ازرعْهُ على الأوراق بلا كلماتٍ دعهُ يتمايل وكأن الريحَ تحركهُ لا تنسَ إذا كان الفصلُ شتاءً أن تخلع عنه الأوراقَ وجرَّدهُ من اللون وماءِ الموسيقى! *** أن تكتب بحراً اتركه يتمدد فوق الأوراق ويغمرها بالأخضر والأزرق، ودع الموجَ يداعب وجه القارئ ويبلل بالملح يديه ويمحو ما كتب الرمل على شفتيه. *** أن تكتب مطراً افتح صدر الصفحةِ للرعد وللبرق، ودعه يهطلْ في الروح الظمأى أسمعني خشخشةَ الأشجار ودعني أتشمّم عطرَ الأرض وقد خرجت صافيةً بعد استحمامٍ بمياهٍ طازجةٍ نازلة من عرش الله. *** أن تكتب إنساناً في النص الشعري فاحمله إلى النص كما هو: وجهٌ أصفر عينٌ ذابلةٌ شفتان بلا ظلٍ يابستان، وما أبقى الزمن العاصف من أحلامٍ تتكسر فوق رماد الواقع. *** أن تكتبَ وطناً تأكله الحرب وتعوي ريحُ الأحقاد حواليه وتمضغه أسنانُ الخوف وأنيابُ الفاقةِ فاكتبه بلا شعبٍ وبلا ماضٍ، وبلا اسمٍ ذلك أدنى للنص المعقول! *** أن تكتب إنساناً مسكوناً بالشعر وحيداً يصطاد فراشات الحلم فخذهُ برفقٍ من عزلتهِ واتركهُ يبحثْ عن نجم لا يأفل عن شمسٍ تخرج من مرآة الأيام اكتبه فتىً في العشرين ولا تكتبْهُ عجوزاً شابتْ بين يديه الكلمات، احترقتْ في عينيه الأحلامْ. *** ستون ربيعاً وأنا أبحث في دنيا الشعر عن الشعر وعن نصٍ يشبهني نصٍ مثلي يضحك، يبكي يخرج من ماءِ سليقتهِ مختلفاً لا يشبه حين يرنّ المعنى نصاً آخر!