هل فشلت عملية التغيير؟

باسم فضل الشعبي
السبت ، ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٠ الساعة ١١:٣٧ مساءً
مشاركة

التغيير كلمة ذات شمول، وهي في أوسع معانيها تغيير المجتمعات التي ترفل في التخلف والأمية المعرفية والتي سبقتها مجتمعات أخرى لا تقل عنها شأنا في الحضارة والتطور والتقدم.

لقد كان العرب والمسلمون هم أول من بنى الحضارات وحققوا التقدم والتطور في مجتمعاتهم في سابق الأزمان حينما كانوا متمسكين بتراثهم العربي والإسلامي، فوصلوا إلى الأندلس وأوروبا ومشارق الأرض ومغاربها، وأقاموا العدل دون أن يستطيع أن يصدهم أحد، لكن هذا البروز والتقدم تراجع درجات متتالية إلى الوراء بصورة دراماتيكية حينما تخلف العرب والمسلمون عن دينهم وتراثهم.

واليوم نحن نعيش معركة حقيقية مع التغيير قد لا يشعر البعض بها ولكنها كامنة في الإنسان والأوطان باعتبارها سنة من سنن الحياة فضلا عن كونها سنة كونية ماضية، ولهذه العملية أعداء وخصوم كثر لا يريدون للمجتمعات العربية والإسلامية أن تنهض وتقوم من جديد لأن في ذلك خرابهم وانتهاء حضارتهم كما يقولون.

ومحاولات التغيير ليست وليدة اللحظة، بل هي قديمة قدم الإنسان على هذه الأرض، فكل الشعوب والأمم نهضت بعد محاولات تغيير مريرة وفاشلة وقد حالفها النجاح فيما بعد عندما التزمت بأدوات وشروط التغيير ومنطلقاته.

وقد يقول قائل إن عملية التغيير التي شهدتها المنطقة العربية فيما يعرف بالربيع العربي والثورات السلمية قد فشلت، ونحن نقول إن تلك ما هي إلا محاولة من محاولات عديدة تتم بصور مختلفة، إذ قد لا يأتي التغيير في صورة ثورة شعبية وإنما في صورة نهضة فكرية أو تغيير مؤسسي أو نهضة تعليمية أو ثقافية فصور وأشكال ووسائل التغيير عديدة ومتنوعة قد يقوم بها الحاكم وقد تقوم بها الطبقات المثقفة في المجتمع، والأهم أن حبل التغيير لا ينقطع ومحاولاته لا تستكين ولا تتوقف.

لكن هناك سؤال مهم وهو: ما علاقة الدين والتراث الديني بعمليات التغيير؟ ومن هنا نرى أن كل الشعوب في المعمورة التي نجحت في عمليات التغيير وأصبحت تستحق وصف البلدان المتقدمة لها دين ولها تراث حضاري لم تتخلَ عنه أبدا كما فعل العرب والمسلمون، بل إن هناك من يقول اليوم إن الصراع في العالم أصبح محصورا بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية في الوقت الذي يفتقر فيه العرب والمسلمون لأدوات هذا الصراع وأبعاده ووسائله في الوقت الذي هو بين أيديهم.

ومن هنا يمكن القول إنه إذا أرادت هذه الأمة أن تنهض عليها أولا العودة لدينها وتراثها الحضاري فهو المحفز الرئيسي لأية عملية تغيير يتطلب القيام بها. لقد فشلت الأفكار والنظريات المعلبة التي جاءت من الخارج في الخمسينيات والستينيات وأصبحت عبئا ثقيلا على أصحابها الذين اتجهوا لتغيير كثير من تلك الأفكار والمفاهيم والنظريات كما يحدث في روسيا حاليا أو الصين.. ولكي تتطور باستمرار فإنه عليك أن تتغير باستمرار، ولا نقصد هنا بالعودة للدين والتراث الحضاري العودة للماضي، وذلك لأن الدين الإسلامي يمتلك قابلية التغيير باستمرار وتراثه يسمى التراث الحضاري لأنه شيء متغير وليس جمادا ولا عيب في العودة لذلك لاسيما إذا ما عرفنا أن التغيير هو ضرورة حتمية تصنعه الشعوب والطبقات المثقفة ولم يعد مقبولا أن يأتي من الخارج.

إن محاولات التغيير مستمرة قد تكون تعثرت هنا أو هناك، لكنها لم تفشل وهي تبدأ من الحدود الدنيا حيث يمكن أن يكون أولا داخل الأسرة ثم المدرسة ثم المجتمع ثم الدولة، والأمة والشعوب العربية شعوب حية وحيوية معظمها من الشباب المتطلعين للتغيير والمنافسة ولكن بطرق سلمية وعصرية، وهناك وسائل كثيرة في هذا الجانب توفرها التكنولوجيا الجديدة والمتجددة ويمكن استغلالها الاستغلال الأمثل لتحقيق الأهداف والغايات المرجوة.

لقد بدأ التغيير بكلمة في عهد الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، فكلمة "اقرأ" هي التي غيرت الكون كله وأقامت الحضارة الإسلامية فيما بعد، وحققت النجاحات والفتوحات التي يفتخر بها كل شاب مسلم اليوم. لذا علينا أن نركز على أدوات التغيير الحقيقية المتاحة أمامنا وما أكثرها! فرب كلمة غيرت أمة.

وأعود مرة أخرى إلى عنوان المقالة واتساءل: هل فشلت عملية التغيير؟ لتكون الإجابة (لا) لم تفشل ولكنها تعثرت، فطريق التغيير طويلة وعسيرة وليس من البساطة اختصارها في رحيل الأنظمة أو تغيير الحكام لكنها تمر بمراحل كثيرة وصراعات مريرة، لأن هناك من لا يريد التغيير في هذه المنطقة العربية ويقاومه بمختلف الأشكال وما هذه الحروب إلا دليل واضح على وجود قوى ضد التغيير وتخاف منه لأسباب كثيرة.

وإذا كان الغرب قد حصروا الصراع مسبقا بين الحضارة الغربية والإسلامية فإنهم سيحاربون العرب والمسلمين بكل الوسائل ليبقوهم رهن التخلف ولن يجعلوا هذه الأمة تصحو من سباتها الطويل، فمشهد خروج الجماهير في الشوارع العربية مطالبة بالتغيير يستفزهم كثيرا وكأنه يستهدفهم بالدرجة الرئيسية، فصحوة الشعوب أمر بالغ الخطورة بالنسبة لهم، لذا نجدهم يحاربون التغيير وحركات التغيير في كل مكان وزمان بصورة مباشرة أو عبر وكلاء من أبناء جلدتنا ممن ينتمي لهذه الأمة كما يحاربون الشعوب بكل الوسائل القذرة في التجويع والإذلال والحروب والتشرد وعدم الاستقرار.

لا مجال للإحباط، وعلينا أن نحاول وأن نجرب التغيير في كل مكان وزمان وبكل الوسائل الممكنة، فالأمة ما تزال قادرة على النهوض من جديد وهناك مبشرات كثيرة.