أسوأ ما خلفته الحروب ليس دمار البلدان فحسب؛ بل ضمور الإحساس بها، فقدان حس الانتماء إليها، تلاشي حماسة الشعور القومي لدى الأجيال، هذا الشعور هو الضامن الأساسي لتماسك البلدان لحظة الانهيارات الكبرى، وهو ما نفتقده اليوم، لقد تحولت الأعياد الوطنية لمواسم للعزاء، مناسبات للسخرية والنواح على الأطلال..نستقبل ذكرى تحرير الأرض؛ وكأننا نسير في جنازة صامتة.
بلدك ليس متجر للأرباح؛ كي تكفر به، حين لا تجني ثمرة منه، قد تكون غاية الأوطان توفير عيش كريم، لكن خرابها ليس مبرر للتهكم عليها وهتك شرف الانتماء..احتفاءك ببلدك لحظة تعافيه هو احتفاء بدافع المصلحة، وليس في مصلحتك ما يطعن في مصداقية الولاء، غير أن كفرك ببلادك المريضة، هو ما يشكك فيك، وفي جدارتك بالمواطنة. هناك أصوات شبابية غريبة، ينتقمون لمصيرهم الشخصي البائس، بالسخرية من الأعياد القومية، والنظر للإحتفال بالمناسبات الوطنية؛ كأنه دليل تخلف ودماغوجية، هذه النبرة هي انعكاس للأنانية الفردية فحسب، ثم لا أدري من قال لهؤلاء أن حياتهم في ظل المحتل كانت ستكون أفضل، هم هكذا يحتقرون ذواتهم وكأنهم يقولون بلغة ضمنية، نحن قاصرين عن إدارة شؤون بلادنا ونحتاج لجهة خارجية تفرض وصايتها علينا، ليكون حالنا أفضل. تحتاج الأوطان مشاعر أبناءها، لحظة ارتباكها وإعتلال مسيرتها، أكثر من حاجتها إليهم، لحظة وقوفها على قدميها، ولن تقف البلاد على قدميها إذا ما ظللنا نسخر منها ونمزق روابط الولاء بينها وبين أبناءها. الأعياد الوطنية مناسبة لتجديد الولاء للأرض، للاعتذار من خذلاننا لها، وليست توقيت لجلد الذات وتعميق الشعور بالمرارة. إن كان هناك من يستحق الجلد، فهم المسؤولين الذين حولوا البلاد لمناحة طويلة، وعلينا أن نفصل بين كفاح الشعب للتحرر وبين انتكاسة المصير، ولن نستعيد زخم الاستقلال سوى بتعزيز إيماننا به والبحث عن بدائل تقود القافلة.