بعيدا عن لغة السياسيين ووسائل الاعلام المسيسة في حديثها عن تشكيل الحكومة الجديدة والاعلان عنها، يجد الشعب نفسه محصورا بين إعلامين وتيارين أحدهما يبارك ويعلق الآمال العريضة على أداء الحكومة الجديدة بل ويعتبرها انجازا مرحليا مهما في طريق ترتيب الدولة اليمنية واستعادتها وهي آمال مشروعة بكل تأكيد.
فيما يمضي الآخر بمهمة عدائية تثبيطية، تروج لفشل الحكومة قبل حتى أن تطرح أسماء الوزراء فيها، مستندين على فشل تاريخي للحكومات السابقة في إدارة البلاد وأزماتها اثناء الحرب.
ولعل الصوت الأخير الذي يستهدف التشهير بالحكومة، ورصد أخطائها، وقطع ارتباطاتها بالشعب، واتهامها بالعمالة، هو الصوت الاكثر ذيوعا بين الأوساط شعبيا، نظرا لطبيعة المكينة الاعلامية والسياسية التي يشتغل عليها الحوثيون، ومعهم ايضا بعض القوى والشخصيات المحسوبة على الشرعية، كنوع من النكاية الحزبية والسياسية البغيضة.
إن على الحكومة الجديدة أن تعي أنها تبدأ عملها تحت ضغط شعبي وسياسي كبير فهي حكومة محكوم عليها مسبقا من قبل الكثيرين، بالفشل، مقيدة بتركة ثقيلة من الملفات التي أثقلت كاهل الدولة في مرحلة ما قبل الحرب ناهيك عنها الآن.
لقد استفاد الحوثيون من حالة الانقسام الداخلي بين أقطاب الدولة وأحزابها لبث دعايات وشائعات حول الأوضاع الأمنية في الجنوب، وتصوير الجنوب بأنه ساحة احتلال وصراع مفتوحة، تفتقد لأبسط مقومات الأمن والخدمات العامة، فالحالة الأمنية مثلا في الجنوب حسب الدعاية الحوثية، تفرض على الناس عدم التجول بحرية في الشوارع، أو الخروج للتنزه مع عائلاتهم، إضافة إلى حالات الاختطافات واغتصاب تعرضت لها النساء وفي هذا الكلام مبالغة بل وافتراء لكن الحالة المعيشية والخدمية هي المؤلمة حقا.
باختصار الجنوب حسب ما يراه وما يروج له الحوثيون في الشمال، أصبح بيئة إرهاب واحتلال غير قابلة للعيش وهو ما يريد به قادة الميليشيا دفع الناس القبول بالسياسات الحوثية ونقصد قاطني المناطق الشمالية.
ومن الطبيعي أن يكون الحوثيين هم المستفيدين والمروجين في المقام الأول عن هذه الشائعات ليحسنوا من صورتهم السياسية والأمنية والاقتصادية أمام الشعب في الشمال، وكذلك للتغطية عن جرائمهم الإرهابية وتعسفاتهم الأمنية ونهبهم الاقتصادي، كي يتقبلوا بجرائمهم وممارساتهم، وتصوير ما ينفضح منها، على أنها ممارسات فردية، لا نظامية، إنهم باختصار يسعون إلى تزييف الوعي الجمعي للشعب والتغطية على جرائمهم وإسكات جميع الأصوات التي تقوم بفضح عدائهم على كافة المستويات.
إنهم يسعون عبر هذه السياسية التي تستهدف الحكومة الشرعية، وإعاقة عملها، الى السعي في تسخير سوء الأوضاع في الجنوب واستثمارها، في إخماد أنفاس الثورة والمعارضة في الشمال، بحيث لا تلقى الأصوات الوطنية المعارضة لهم أي صدى لدى الجماهير، التي يتم استغبائها وتزييف وعيها، بأن ما نعيشه في ظل سلطة الحوثيين، أفضل مما يعيشه الجنوبيون في ضل سلطة الشرعية.
إن هذه القناعة الشعبية الخاطئة، لا تزال تؤثر وتتحكم في المشهد الداخلي في الشمال، الذي يضع الجنوب وأمنه واقتصاده وسياسته في كفة خاسرة شعبيا، أمام الشمال المحتل إماميا، نظرا لفشل الشرعية في إدارته.
ومن هنا كان لزاما على الحكومة الجديدة ان تسعى الى انتزاع تلك الصورة الشعبية والرسمية، عن الأداء الحكومي في الجنوب، وذلك لن يأتي إلا بأن تستعيد الحكومة حضورها وإقامتها الدائمة في عدن وعلى أرض الوطن، كي تسقط بهذا الحضور أي شكوك أو اتهام بالتفريط.
كما أن عليها أن تعيد النظر في الأداء الحكومي في الادارات والوزارات في المحافظات المختلفة وأن ينحاز وزراؤها للعمل لما فيه صالح المجتمع، وكبح جماح الفساد المتغلغل فيها.
عليهم أن يجعلوا من أرض الجنوب قاعدة لإصلاح شامل، وأن يتبنى الجنوب مشروع تحرير الشمال من القوى الامامية، سعيا نحو تحقيق الأهداف المشتركة لاستعادة الدولة الوطنية، كما كان عهده إبان ثورة السادس والعشرين من سبتمبر.