أمر مخيف ما لم تتمكن من السيطرة عليه!

محمد دبوان المياحي
الثلاثاء ، ١٩ يناير ٢٠٢١ الساعة ٠١:٢٤ صباحاً
مشاركة

الاضطراب الشعوري الذي يتسبب به الفيسبوك في أعماقك، أمر مخيف ما لم تتمكن من السيطرة عليه، أكثر ما تُحدثه هذه المواقع هو أنها تعمل على خلخلة نفسيتك، إنه يُفقدك قوتك الشعورية الموحدة، يعرضك لكم هائل من المحتوى المتناقض ويعمل على تخريب ثباتك الداخلي وارباك انفعالاتك الطبيعية بين اللحظة والأخرى.

تتصفح الموقع، فتصادف خبر عزاء، تواسي صديقك بروح حزينة ومتضامنة وتمرّ، وبعد دقيقة تصادف أغنية، فتحاول الإصغاء إليها بروح متحفزة؛ لكنك تفشل في الحضور معها بكامل جوارحك، لقد فقدت جزء من شعورك سابقًا، تكمل الأغنية ويمرُ عليك منشور مستفز، فتود أن تستجمع مشاعرك الساخطة لترد عليه؛ إلا أنك لا تجد ذاتك منخرطًا في الرد بدافع شعوري مرتب ومتدفق بقوة، فلم تعد محتفظًا بطاقتك الشعورية في خط واحد، فجأة يداهمك شخص رابع وينشر نكتة فتضحك ضحكة صناعية لا تترك أثرًا لبهجة حقيقة داخلك.

وهكذا وهكذا تستمر في حالة من التنقلات الشعورية المربكة للحس والوعي، لا تأخذ معها مساحة زمنية كافية؛ للإحساس بالموقف والحدث، ومع تراكم الأثر البطئ، تتعرض قابليتك الشعورية للسحق المتواصل وتنخفض طاقة الانتباه لديك..وتلك خسارة كبيرة على مستوى الصحة النفسية والتناغم الداخلي العميق بين عقلك وبقية قوى الإدراك داخلك. حيث تجد الجميع يقرأون كل شيء ولا يعلق في أذهانهم شيء، فكل شيء مؤقت وزائل وسريع التسرب من أذهانهم وخيالاتهم.

إنها حالة من الاضطراب الداخلي الخفي، إذا راقبت نفسك وكان لديك حساسية عالية تجاهها ستشعر بذلك في نهاية يومك وفي باقي تفاصيل حياتك الأخرى، ستجد ذاتك شاردًا وأنت في عملك أو متبلدًا في تجاوباتك مع الأخرين، وأقل إحساسًا بالحياة في واقعك اليومي.

لعل هذا بإعتقادي ما يُفسر هشاشة المشاعر لدى الجيل الحديث، ثمة رابط قوي بينها وبين أثر مواقع التواصل الإجتماعي، لم يعودوا محتفظين بقوة شعورية صلبة، صاروا أكثر عرضة للإنهيار وأقل قدرة على مجابهة الحياة بقوة وانتباه أكبر. لقد رسموا في أذهانهم صورة متخيلة للحياة عزلتهم عن واقعها الحقيقي، والنتيجة ميلاد جيل أقل اشتباكًا مع الحياة المعاشة، أقل حماسة لاختبارها بنفسه، فقير في التجربة وكثير القلق والإحساس بالغربة والوحدة.

أخيرًا: أعلم أن مواقع التواصل ليست شرًا محض والصورة ليست سوداوية تمامًا، كما أن الآثار النفسية للمواقع ليست حتمية ويمكن تحيدها بقليل من الوعي وكثير من الانتباه. فما هو مهم هنا، هو أن يتصفح المرء المواقع بتركيز أكبر، يعرف ما الذي يريده من تواجده هنا، حيث الوعي مسيطر جيدًا على المحتوى، يفرزه جيدا، يتجاهل هنا، يتوقف ويتفاعل هناك، يختار بعناية ما يستوجب التركيز عليه_بحسب ما يحب_ ويحافظ على حضوره الداخلي عند كل منشور يصادفه، ولا يترك لحالة اللاوعي أن تستلبه.

الأهم أن تكون أنت سيد الموقف حاضر بحواسك كلها، في هذه الحالة، سنتمكن من تعزيز مكاسبنا العقلية والنفسية من هذه المواقع ونقلص الأثر السلبي لأقصى حد ممكن، حينها ستجد نفسك تعيش حياة ثرية، حين تكون هنا وحين تكون منهمك في واقعك اليومي. ما هو مهم ألا تقع فريسة لحالة الغواية المتناسلة والمحتوى المزدحم بين لحظة وأخرى ومعها تفقد الإحساس بذاتك وتنام كل ليلة وأنت تشعر بمزيد من التيه والخواء.