كنا نعتقد أن تشكيل حكومة المناصفة وتعيين محافظ عدن ومدير أمن لها سوف يعمل على تهدئة الأوضاع وسيخلق حالة من الوئام على الأرض وفي وسائل الإعلام تساعد الجميع في التركيز على العمل فيما يفيد البلاد والعباد، إلا أن هذا الاعتقاد لم يصمد طويلاً لقد جاءت قرارات الرئيس الأخيرة لتثير موجة من الجدل والرفض وتعيد الأمور للمربع الأول كما يبدو.
هناك صراع جديد يتخلق ويتجه إلى إرباك المشهد من جديد ويرتكز على المناصب والحصص والتوافقات وكل طرف يتمسك بما لديه من بنود وأدلة وبراهين ليبني عليها قراره وموقفه فيما ينقسم الناس بين مؤيد ومعارض وتمتليء شبكات التواصل الاجتماعي بالجدل والعويل في وضع استثنائي لا تحتاج فيه البلد إلى المزيد من الصراع بقدر ما هي بحاجة للهدوء والسلام وحل كل المشكلات بتروي وعقلانية.
لا أعتقد أن الرئيس هادي كان يهدف من القرارات التي أصدرها في مجلس الشورى والنيابة العامة لاستفزاز المكونات الأخرى الموقعة على اتفاق الرياض، وإنما العمل وفق ما يخوله الدستور ولعلمه كما يبدو أن اتفاق الرياض يقتصر على التوافق حول الحكومة والمحافظين ومدراء الأمن وليس في كل القرارات والمناصب.. وهو ما يزال حتى اليوم متمسكاً بقراراته رغم صدور بيانات من مكونات سياسية تهدد بالتصعيد في حال عدم التراجع عنها واحترام التوافق.
وهناك أحزاب أصدرت بيانات وقالت إن القرارات مخالفة للدستور فضلاً عن كونها تنسف فكرة التوافق رافضة عملية التفرد في إصدار مثل هذه القرارات التي قالت إنها ستعيد الأمور للمربع الأول. هجمة شرسة شنت على الرئاسة اليمنية خلال الأيام الماضية حتى ان هناك مكونات مدنية هددت باللجوء إلى المحاكم لإبطال القرارات المذكورة إذا لم يتم التراجع عنها.
وما تزال ردود الفعل تتفاعل على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي دون أن يصدر أي رد أو إشارة من الرئاسة اليمنية التي يبدو أنها ستمضي في قراراتها حتى النهاية وستتحمل نتائجها فيما بعد كيفما كانت. وأمس سألنا قيادياً في المجلس الانتقالي عن خطوات التصعيد التي ينوون إقامتها في حال لم تتراجع الرئاسة عن القرارات فقال إنهم سيعلنون عنها في حينها الأمر الذي يؤكد أن الأمور قد تذهب للتوتر من جديد وربما ينعكس ذلك سلباً على عمل الحكومة.
إذن نحن أمام صراع جديد عنوانه المناصب والقرارات الجمهورية والتوافق الذي أقره اتفاق الرياض رغم ان أياً من الأطراف لم يبين للناس ما الذي جاء في اتفاق الرياض لدعم موقفه وكأن وثيقة الاتفاق سرية وغير قابلة للتداول.
وأزيد على ذلك أن الرئاسة اليمنية تفتقد لوجود إدارة مهنية بإمكانها التعامل مع مثل هذه الأمور التي قد تقود إلى أزمات كبيرة، ومن مهمة هذه الإدارة التوضيح للناس وفق ما لديها من مرجعيات لا السكوت والدعممة حتى لا يقال إنها تخرق الدستور وتشق عصا الوفاق والتوافق.
أتوقع أن يكون هناك توضيح من الرئاسة اليمنية تؤكد حق الرئيس في اتخاذ تلك القرارات مع تبيان المرجعيات الدستورية أو التي وردت في اتفاق الرياض، فالرئيس هادي لن يقبل بتقييده إلى هذا الحد ولا أعتقد أن اتفاق الرياض صمم لتحويله إلى مجرد "كوز مركوز".