القصيدة.. أُمي

د/عبدالعزيز المقالح
الاربعاء ، ١٥ ابريل ٢٠٢٠ الساعة ٠٣:١٩ مساءً
مشاركة

القصيدة.. أُمي*

بعد أن رحلت أُمهاتي ليس لي غيرُها، غيرُ أمي القصيدة أَشكو لها وأبثُّ خفايا انكسارات روحي وخوفي من الواقع المدلهمِّ وما اقترفته الحروب من الإثم في حق أهلي وفي حق كل البشرْ.

* * * بعد أن ذهبتْ للمقابر أمي، ونامت هناك وصلّتْ فريضتَها وتلت كل أذكارها وتسابيحها عدتُ للبيت لكنني لم أجده وما دلني -بعد يأسٍ- عليه، سوى ومضات الحنين وضوء القصيدة.

* * * أصدقائي، وهم كل هذا الزحام الذي تملأ الأرض أجسادهم مثقلون بأوجاعهم لا يصيخون لي أو يطيقون شكواي لا يطربون إذا ما عزفتُ على "أرغن" الكلمات ولا يحزنون إذا ما بكيت وإني لأعذرهم ثم أعذر نفسي

* * * ليس لي غيرها أتوكأ عكازةَ الكلمات أهش بها غنَمَ الخوف أمشي الطريق الطويل الذي لستُ أعرفهُ لا ابتداءَ لهُ لا نهايةَ، من حولهِ تزأر الظلمات وتشكو الذئابُ التي خبرتهُ متاهتَه والضلالْ

* * * اعذروني إذا ما بكيت وأبكيتُكم ليس دمعي الذي يتحدّر حتى يلامس وجهَ التراب ولكنه دمع هذي البلاد، بلادي التي دمّرتها الحروب وأدمى قلوبَ بنيها الخلافُ على شهوةِ الحكم ويلٌ لهم حين ينكشف المسرحُ العبثيُّ ويكتشف الناس زَيفَ الروايةْ

* * * لا يهم القصيدةَ من سوف يقرؤها حانياً كان أم حاقداً مشفقاً في قراءتهِ أم عنيفاً فمذ هبطت من ذرى اللاّ مكان وصارت على الأرض خاضعةً للقراءات والسفسطات انتهى دورُها لم تعد تتأمل في ذاتها من تكون ؟ وكيف تكون؟

* * * يا ابنة المتخّيل واللاّ خيال، ويا أمَّ من أبدعوا بالكلام بحاراً وشمساً وأرسوا جبالاً على ورقٍ ناعم اللمسات إلى أين يمضي بنا اللاّ خيال وقد ضاقت الأرض بالمعجزات/ الحقيقةْ.

* * * تقول القصيدةُ وهي تحاول إخفاءَ دمعتها: أي مرأى يحزّ النفوس ويجرح قلب الصخور كمرأى الألوفِ من العربِ النازحين يساقون مثل الخراف إلى حتف غربتهم؟ أي شيء أشدُّ من الموت فوق التراب الغريب؟