إذا كان مونديال قطر قد فرض نفسه كمونديال للمرات الأولى من حيث المكان والزمان والتنظيم، فإن دور المجموعات الذي أسدل الستار عليه، كان مثيراً ومليئاً بالتشويق مع تحقيق مفاجآت من العيار الثقيل، كانت المنتخبات الأفريقية والآسيوية أبطالها، بدءاً بالأخضر السعودي الذي أطاح بأرجنتين ليونيل ميسي، مرورا بمفاجأتي الساموراي الياباني بالفوزين المدويين على المانشافت الألماني ثم لاروخا الإسباني بالنتيجة ذاتها، وصولاً إلى إطاحة أسود الأطلس ببلجيكا، وانتهاء بفوز تونس وكوريا الجنوبية والكاميرون على فرنسا والبرتغال والبرازيل توالياً، وإن كانت رمزية، كون المنتخبات الثلاثة الأخيرة تأهلت إلى دور الـ16 سلفاً. أكثر من ذلك، انْتزع المُنتخب الياباني صدارة مجموعته التي ضمت إسبانيا وألمانيا، وكذلك فعل المنتخب المغربي الذي تصدر مجموعة ضمت كرواتيا وبلجيكا، واضعاً حدا لصيام 36 عاماً من دون وصوله إلى دور الـ16 لكأس العالم. فهل يستمر مسلسل المفاجآت هذا كعنوان رئيسي لمونديال قطر، أم أن صفحته طويت مع صفحة مرحلة المجموعات؟
باستثناء الخروج “الكارثي” لألمانيا للمرة الثانية على التوالي من دور المجموعات في المونديال، والانتكاسة المدوية لبلجيكا، فإن المنتخبات الأخرى الكبرى المرشحة للتتويج بالمونديال كانت في الموعد، رغم الخسارات التاريخية، من حيث الرمزية، أمام منتخبات السعودية وتونس والكاميرون وكوريا الجنوبية. فأرجنتين ليونيل ميسي استفاقت سريعاً من صدمت الهزيمة أمام الأخضر وتصدر مجموعته. في حين، حسمت فرنسا والبرازيل والبرتغال بطاقات العبور إلى المرحلة المقبلة سريعاً، ومنحت مدرّبيها فرصة إراحة معظم اللاعبين الأساسيين، كما حصل في مباريات فرنسا ضد تونس والبرتغال ضد كوريا الجنوبية والبرازيل ضد الكاميرون. وتبقى المفاجأة السيئة الوحيدة للمنتخب البرازيلي هي خسارة نجمه الأول نيمار الذي أصيب في المباراة الأولى ضد صربيا، لكن يُتوقّع أن يعود مهاجم باريس سان جيرمان للعب اعتباراً من دور الـ16 أمام كوريا الجنوبية.
ما يمكن الجزم به هو أن تيتي وديدييه ديشان وفيرناندو سانتوس لن يلعبوا بالفريق الثاني بعد الآن، الأمر الذي يجعل من الصعب جداً تكرار هزائم تاريخية كتلك التي تعرضت لها منتخباتهم في دور المجموعات، وإن كانت كرة القدم لا تعرف لها مستحيلاً. فمع أن الكفة، كما الحال دائماً، تميل مجدداً لصالح المنتخبات أصحاب التجربة والأكثر نجومية على الورق، فإنه من غير المستبعد حدوث مفاجآت، على غرار سيناريو وصول كوريا الجنوبية إلى نصف النهائي خلال مونديالها المُشترك مع اليابان عام 2002، لجملة من الاعتبارات، بينها أن بعض المنتخبات الجيدة وغير المرشحة تَظهر بشكل أفضل وأكثر أريحية من الناحية الذهنية كلما دخلت مباراة وهي في ثوب المرشح الأضعف، وذلك ما شهدناه، مثلا، في مباراة المنتخب الياباني ضد نظيره الألماني، وأيضا في مباراتيْ المنتخب المغربي ضد المنتخبين الكرواتي والبلجيكي.
علاوة على ذلك، فإن هناك عامل الجمهور. فالمنتخب المغربي الذي بات أمل العرب الوحيد في أول مونديال يُقام على أرض عربية يحظى بدعم جماهيري كبير جداً، وكأنه يلعب في الرباط أو الدار البيضاء. ومن المتوقع أن يتعزز هذا الدعم، لإعطاء دفعة للمدرب وليد الركراكي ولاعبيه من أجل مواصلة مفاجأتهم المونديالية الرائعة بتجاوز الماتادور الإسباني في دور الـ16. وهي مباراة اعتقد أن مفتاح الفوز فيها بالنسبة لأسود الأطلس، الذين أنهو مرحلة المجموعات من دون هزيمة، سيكون الحضور البدني الذي من شأنه أن يزعج الإسبان ويحرمهم من لعب كرتهم المعتادة.
كما أن المنتخب الياباني المُنتشي بفوزيه الثمينين ضد نظيريه الألماني والإسباني، يبدو واثقاً أكثر من أي وقت مضى بإمكانياته للإطاحة بكبير أوروبي آخر، هو كرواتيا. ويأمل المنتخب السنغالي بجيله الذهبي، حتى مع غياب نجمه ساديو ماني، أن يضاهي أفضل أداء تاريخي لــ”أسود التيرينغا” بالوصول إلى ربع النهائي ولما أبعد من ذلك، في ظل قوة الشخصية التي ظهر بها. لكن سيكون عليه تجاوز المنتخب الإنكليزي، العائد بقوة مع تعطش كبير للألقاب، وتلك مهمة تبدو صعبة، على الأقل على الورق. أما المنتخب الأمريكي فقد أظهرت صلابة دفاعية حقيقية، تجعل منه أحد المنتخبات التي يمكن وصفها بــ”الفخ”.
المؤكد أنه مع انتهاءِ دور المجموعات، فإن مونديالاً انتهى وبدأ مونديالٌ آخر، مع الدخول في مرحلة مباريات خروج المغلوب، والتي تبدو المنتخبات الكبرى، لاسيما تلك التي سبق لها التتويج بالبطولة، أو الوصول لعدة مّرات إلى مراحل متقدمة، الأكثر تمرّساً في التعاطي مع هذا النوع من المواجهات، من حيث الخبرة والذهنية. لكن العامل البدني قد يكون له دور حاسم في ما تبقى من المونديال، في ظل حالات الإرهاق التي يعاني منها العديد من اللاعبين الأساسيين في الدوريات الأوروبية الكبرى. وهي نقطة تُبقى باب الأمل مفتوحاً لمنتخبات أخرى غير مرشحة، في حال عرفت كيف توظفها.
القدس العربي