في المقهى نادل يقول لزبونته : _ أنا أفضل مما تظنين. تجيب بحسرة، وقد عَبَرت بعينيها جسورا على جسده : _ وأقوى مما كنت أعتقد. يكمل : _ أنا عصامي. تعظ بانحناء رأسها أصابع الندم وترد : _ ونبيل. يكمل : _ كنتُ في ما مضى شاباً. تتعصر القماش الملفوف على الطاولة بكفيها، تمرر يديها نحوها، ينكشف جسد الطاولة من الجهة المقابلة، تعض شفتيها : _ وجميلٌ جداً تقول، وقد انحنى جسدها، تراقبه، تتفحصه، وحين تصاعدت شرارات عينيها، قاطع مراقبتها : _ أنتِ لا تناسبينني. _ صحيح .. أنت فقير.
أجابت، يُضاء فجأة عمود إنارة قربه، يعم الصمت الصاخب، تنكسر زجاجة كانت في يدي، وفي ثوانٍ تحركت النواصي حولي.
ومتجاهلا من يرقبونني، تابعت من زاوية قريبة النادل وزبونته يقسمان الواحة إلى شطرين، لمحت أيضا تجاعيد كثيرة على خديهما، وبروز أوردة في كفيهما، وكأن عصورا من التاريخ سكنتاهما ليعبرا بكل عظمة عن العاطفة والفقر.
تغادر أعين من حولي، وتسقط ورقة من نفس النادل تبتز راتبي.
جمال الشعري