كل من درس تأريخ الجنوب بشكل عام ، وعدن بشكل خاص يدرك مدى امتلاك الشارع في عدن إلى حاسة سياسية مختلفة ومميزة، فعلى مر الأحداث والمراحل المفصلية غالبا ما كان للشارع دور جوهري في خلق هذه المسارات وتوجيهات، يختلف التصاق الشارع بالسياسة في عدن عن غيرها بشكل جلي وواضح.
وبالتالي فإن ما حدث مؤخرا من مظاهرات بعدن تضاربت وتناقضات الآراء والتحليلات عن فك ألغازها وتحديد من ورائها. فإن الجزء الأكبر لهذه الضبابية والتخبط هو تجاهل مدى التصاق الشارع العدني بالسياسة وتفاعله معها عبر تاريخ طويل وممتد. والاعتبار الكامل لهذا الأمر لا يعني بأي حال تجاهل وإلغاء ما هنالك من أجندة حاولت وتحاول استغلال هذا الجو بطريقة أو بأخرى. كما لا يعني تناسي ما هنالك من عقبات سياسية وتعثرات طبيعية وغير طبيعية أمام تنفيذ اتفاق الرياض والمسار العملي لحكومة الكفاءات.
إنه من السهل والمريح على أي طرف استثمار ما حدث بتعزيز نظرية المؤامرة والتوجس بأساليب مضخمة وتحميل الآخر المسؤولية والجنوح للمبالغة بسبب محدد وتحميله فوق ما لا يحتمل وتجاهل العوامل والأسباب والأخرى.
وإنه لمن الصعب تحمل المسؤولية والإنصاف والنظرة المتكاملة من كل الزوايا بقراءة مكتملة معطية لكل عامل حقه الطبيعي دون التركيز على جانبا واحد والمزايدة به لخلط الأوراق.
في الأخير ما حدث هو درس حقيقي ينبغي أن يفهمه ويتعلم منه الجميع الحكومة وكل الأطراف السياسية في اتفاق الرياض والأشقاء بالتحالف لاسيما السعودية والأمارات.
بأن الشارع أصبح يرى نفسه في معزل عن الصراعات النخبوية جدا وأنه غير قادر على مزيد من التبرير والصبر لكل العراقيل أمام الحكومة من القيام بواجباتها وخدماتها. وبهذا يجب على الجميع السرعة في معالجة كل العراقيل أمام النجاحات العملية للحكومة كما يجب وإلا فأن الجميع سيجد نفسه خارج اللعبة تماما.
لقد اخطأ صديق عزيز من حيث قصد أو لم يقصد حين قال “بأن الحكومة وجدت نفسها مهانة” بل على العكس فإن كل هذه المظاهرات بكل بلدان العالم المتقدم هي نضج ووعي وتقدم. فيجب على الجميع: الأشقاء بالتحالف.. والشرعية ممثلة برئيس الحكومة الدكتور معين أن يتحدثوا بكل للشارع الجنوبي -والعدني تحديدا- بكل عفوية وشفافية عن ما أنجز وما يسعون لإنجازه. وبأنهم يحسوا بمعاناة الناس ويعملون ليلا ونهارا على معالجة رغم كل العقبات. فلابد من تطمين الشارع والحديث المباشر له وتفهم مطالبه ومعانته بنفس الوقت معالجة الاختلالات الداخلية في إطار اتفاق الرياض، وكذلك مواجهة مختلف طرق التربص والكيد بكل ما يجب من الحزم والقوة.